أي أهوال تُلِمّ بك أيها الإنسان !
يا صديقي، الماضي كتاب خلف سبعة أقفال.
ليس ما تسميه شبح الزمان إلاّ روح السادة التي تعكس الزمان.
عليك أن تكتسب ما ورثته عن آبائك حتى يصبح ملكاً لك!
ما لا يفيدك يكون عبأ عليكً، ولا تستفيد إلاّ مما تخلقه اللحظة.
(يوهان فوفغانغ فون غوته: فاوست.)

تتسلل أسراب في شوارعنا لا يمكن لأقوى العطور أن تغطي على نتنها: تحت لباسهم المغطى بالأعلام تفوح روائح العنف والعنصرية وحب السيطرة، روائح عفنة يغذيها الاستكبار والنرجسية إلى جانب الغباء والعناد. إنها مركبات الفاشية الكاملة. لا يختبئ تحت هذا اللباس نازيون تقليديون ألمان أعضاء في الحزب القومي الديمقراطي الألماني الذي هو أقدم أحزاب النازيين الجدد، أو تلك العصابات الأخرى الذين يسحلون الأجانب ويتعبدون لأدولف هتلر، فقط، بل هناك أفواج أخرى من فاشيين جدد يدورون حاملين علم "نجمة داود" وعلم "النجوم والأشرطة" يقنعون عامة الناس بأن هناك عدواً إسلامياً لهم بالمرصاد. لا بل يحاربون أعداءهم السياسيين باستخدام كل الوسائل المتاحة من الإنترنت إلى الإعلام بكل أشكاله ويتهمونهم، تبعاً للاستراتيجية المطلوبة، بالعداء للسامية والأمريكية وبالفاشية والبلشفية والشيوعية وإلى آخر ما هنالك من تهم مشابهة ، قد تصل إلى التهم الأخلاقية. ولا تتردد هذه المجموعات باتهام "الجمعية الشعبية الألمانية" واليسار الألماني، بأنه "معادٍ للسامية ولأمريكا". لذلك "ينظرون إلى حروب إسرائيل من منظار ثورة الغيتو اليهودي في وارسو"، كما يعتبرون الدولة اليهودية حصناً ضد "الفاشية الإسلامية". ولذلك فهم "يؤيدون كل الإجراءات الممكنة في هذا السياق، بما في ذلك الحروب، التي تضمن استمرار دولة إسرائيل بالوجود والدفاع عنها".

يبدو أن القسم الأكبر من وسائل الإعلام الألمانية يخضع لهؤلاء الناشطين. أمّا كيف يتم ذلك ومن يقف وراءهم ويساندهم دولياً، فسيكون محور موضوع لاحق. ولا بأس أن نقول منذ الآن أنه يجب مكافحة كل هؤلاء النازيين القدماء والحديثين ومن شابههم من الفاشيين الآخرين في ألمانيا، بكل حزم وتصميم. وسيكونون موضوع مقالات لاحقة أحاول من خلالها تعريتهم. وعلى أي حال: فإن الذئاب المدبّرة التي تختفي تحت فراء الخراف، قد عششت منذ زمن في المؤسسات الحكومية، وهذا ما يجعلهم أقوياء بقدراتهم الديماغوجية على الأقل لا بصفاتهم الإنسانية. يجب أن تُدعى الدولة الألمانية ومؤسسة حماية الدستور فيها، إلى تسليط الضوء على هذه العصابة لحماية الشعب منها.

وفي الحقيقة فإن هؤلاء الأشباح لا يؤيدون أن يعترفوا بأنهم هم أنفسهم أعداء للسامية ولإسرائيل وأمريكا وأوروبا وهم لا يتكلمون بلسان غالبية الإسرائيليين واليهود والأمريكيين والأوروبيين وإنما هم أبواقٌ لعصابات منبوذة في العديد من الدول فالشعب الأمريكي يريد أن يتخلص منها وهي في إسرائيل تمثل تلك الشريحة التي فقدت ثقة الشعب بها لغرقها في الفساد والفضائح. ولا يمنع هذا من أن تكون نوعاً من طابور خامس ،أيضاً في ألمانيا، وتحارب في جبهة المحافظين الجدد والفاشيين وتتسلل إلى وسائل الإعلام والإنترنت حتى تغسل أدمغة الناس بشكل منهجي وتجعلهم يخافون من "المسلمين غير المتحضرين" الذين يسعون للسيطرة على أوروبا والعالم كله.

وباختصار فإن نشاط أدعياء السامية هؤلاء ليس إلاّ جزءاً من تحضيرات نفسية لحرب قادمة ضد إيران بعد أن هللوا لحربهم ضد العراق. ويمكن أن نسميهم حلقة من "الدعاية السوداء" وهي إحدى خصائصهم التي تتجذر في نظريات الدعاية الفاشية وتطبيقاتها العملية.

"يخطط الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لعملية إبادة جماعية. وليس مؤتمر المحرقة الذي عُقد في طهران، إلاّ جزءاً من الإعداد لذلك. فتطوير القنابل النووية والصواريخ يهدد أوروبا أيضاً، وهذا من أخطر جرائم البشرية. ولا يجوز أن يسكت الديمقراطيون عن ذلك".

ولتحقيق هذا المشروع السياسي، تنادى يوم الأحد الواقع في 28 كانون الثاني 2007 حوالي ستمئة إلى سبعمئة شخص ، حسي تقدير الشرطة، من هؤلاء المحرّضين وأدعياء السامية ومحازبيهم، إلى الاجتماع في ساحة الإسكندر، وسط برلين، حول النصب التذكاري للمحرقة بالقرب من بوابة براندنبورغ، للتنديد "بأخطر سياسي في العصر الحاضر". وراحوا يصرخون :"ليست برلين إلاّ البداية" في شوارع هذه العاصمة التي جعلت ألمانيا مرتين في القرن الماضي، أكثر دولة كرهاً في العالم كله.

وقبل أن نغوص في التاريخ لنعود منه بفهم أفضل، نذكر أنّ المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، قد رفض هذه التظاهرة بشدة، كما كتب أحد الصحفيين تحت اسم مستعار: "إن إعلان المتظاهرين أن أحمدي نجاد سيكمل عمل هتلر، هو قول أحمق كما أن المظاهرة كانت مضحكة". كما أكّد أمين المجلس المركزي، شتيفان كرامر، "أن هناك قواعد سياسية محددة يجب التقيد بها." وبعد أن أيّد ذلك اثنان من وجهاء الجالية اليهودية في برلين ورئيس مجموعة نواب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في مجلس نواب برلين الإقليمي، انقلبوا في اللحظة الأخيرة وباركوا هذه التظاهرة وتمنوا لها النجاح !.

كان ذلك جيداً على أي حال، فما أنتجته أدمغة أدعياء السامية هؤلاء في تظاهرتهم أمام النصب التذكاري للمحرقة، بدا كأنه صدى مشوه ومتأخر لمرحلة قديمة في برلين. ثرثر المدعو ماتياس كونتسل، بالقول "إن حكومة إيران أول حكومة تريد إبادة دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، وهي الأولى التي تستخدم إنكار المحرقة في حملة سياسية. أحمدي نجاد وسلاحه النووي يشكلان المحرقة الثانية." وأضاف هذا الثرثار دعي السامية أنّ "ادعاء الرئيس الإيراني بإبادة النظام الصهيوني وإراحة البشرية منه، قول جادّ، فكما حاول هتلر تحرير البشرية بإبادة اليهود، يعتقد أحمدي نجاد أنه يستطيع أن يحرر العالم بإبادة إسرائيل".

ساشا ستافسكي، مدّع آخر للسامية، ادّعى أنّ "تهديدات أحمدي نجاد والمتعاطفين معه، لا تتوجه نحو دولة إسرائيل فقط، بل ضد الحياة الغربية بكاملها … فالتسلح النووي الإيراني يهدد أوروبا وإسرائيل وكل العالم الغربي الحر … لأن إيران تملك صواريخ تستطيع أن تحول أوروبا والشرقين الأدنى والأوسط إلى جحيم." وقد طالب هذا الثرثار "بوضع حد لهذا التسامح السياسي مع عدو اليهود، أحمدي نجاد، الذي يبدو راغباً بأن يكون هتلر القرن الحادي والعشرين." وأضاف أيضاً أن "النظام الإيراني يفضل الموت على الحياة، ورئيس دولة كهذا، مع صواريخه التي يمكن أن تصل إلى أوروبا، خطير جداً ولا يجوز أن يمتلك أسلحةً نووية." يا للشيطان! من الذي غزا دولاً في الأعوام الأخيرة وقتل الآلاف من شعوبها ؟! لم يقم الإيرانيون بذلك على أي حال. يبدو أن هؤلاء الثرثارين قد فقدوا رشدهم.

وعلى ذكر القنابل والأسلحة النووية، أليست الدولة العبرية مليئة بالرؤوس النووية ؟ لقد تجاوزت قطعاً مرحلة التجارب. وبالمناسبة فإن محطة التلفزة الإخبارية الأمريكية سي إن إن ، اضطرت في كانون الثاني من العام الفائت 2006، أن تعتذر من أحمدي نجاد لأن مترجم المحطة أخطأ بترجمة قول الرئيس الإيراني على الهواء مباشرةً "إنّ أمّةً متحضّرة لا تحتاج لسلاح نووي، وأمتنا ليست بحاجة لهذا السلاح"، إذ قال المترجم: "لإيران الحق بإنتاج السلاح النووي." ولم تتردد المحطة بإعادة بث هذه العبارة المترجمة خطأً، عدة مرات بسرور. ولعل هذه الأمثلة توضح كيف أنّ بعض الديماغوجيين، سواءً أكانوا مأجورين أم لم يكونوا، يستطيعون تنفيذ هذه المخططات.

"فلاديمير هتلر" جابوتينسكي
نعود الآن إلى مسار آخر، إلى مسار تاريخي، ونبدأ بأبيات من الشعر معروفة:
"هذا الذي هناك، حكم العالم كلّه تقريباُ،
ولكن الشعوب تغلبت عليه.
ولكني أردت ألاّ تفرحوا سريعاً بالنصر،
لأن الرحم الذي خرج منه،
لا يزال مثمراً."
(بيرتولت بريخت، أسطورة حرب، 1955)

جابوتينسكي في زيّه العسكري الفاشي

كتب الناشر المعادي للفاشية، برونو فراي – وهو حفيد مباشر من ناحية أمّه، للشاعر الألماني الشهير هاينريخ هاينه - بتاريخ الأول من تموز سنة 1933 في مجلة "الهجوم المضاد" التي كان يصدرها في براغ بعد هجرته إليها، تحت عنوان "الفاشية اليهودية – تلميذ أدولف هتلر في فلسطين" : "هتلر اليهودي هو فلاديمير جابوتنسكي، رئيس الاتحاد الدولي للإصلاحيين الصهاينة، وهذا الاتحاد فرع مستقل تنظيمياً من الصهيونية العالمية يهدف إلى تنظيف الصهيونية من العناصر الصهيونية الصغيرة التي تعمل ضد الطبقية. وكان لدى جابوتنسكي برنامج متكامل لزرع الفاشية في فلسطين … وللفاشية اليهودية متطلباتها الإمبريالية الخاصة. وبينما كانت فلسطين لا تزال مستعمرة للإمبريالية البريطانية، طالبت الفاشية اليهودية ضم إمارة شرقي الأردن بحجة توحيد شرق وغرب فلسطين … وقد كان لدى جابوتنسكي ترجمة عبرية كاملة لبرامج عمل هتلر … وفي محاضرة ألقاها بتاريخ 25 أيار 1933 في فيينا، قدّم جابوتنسكي – مقلّداً معلّمه هتلر – خطة خماسية لفلسطين، تلحظ في تفاصيلها حرباً عربية أوروبية قادمة يقف فيها اليهود إلى جانب أوروبا ضد العرب … ".

أسس جابوتنسكي اتحاد الإصلاحيين الصهاينة والحركة الشبابية التابعة لها، حركة بريت ترومبلدور، سنة 1925 كمشروع مضاد للصهيونية العادية. وقد سعوا في حينه إلى "ضم شرقي الأردن والبادية السورية إلى فلسطين"، كما نشرت صحيفة الحزب "الجبهة القومية" آنذاك. رحّب أبا أخيمئير، ناشر الصحيفة ومؤسس "عصبة الإرهابيين"، الذي كان يسمي نفسه فاشياً، برفيقه جابوتنسكي الذي قدم إلى فلسطين سنة 1928 قائداً فاشياً. وكان أعضاء الحركة الشبابية يرتدون قمصاناً بنية اللون على مثال النازيين وكانوا منظمين في عصابات لقتال الشوارع على نمط ما كانت أفواج موسوليني. لم يكن ذلك صدفةً. قال موسوليني سنة 1935 للحاخام براتو: "إذا أرادت الصهيونية أن تنتصر فلا بد من تأسيس دولة يهودية لها علم يهودي ولغة يهودية، وهناك من أدرك ذلك تماما. إنّه رجلكم الفاشي جابوتنسكي.

رفض جابوتنسكي، الذي كان صدره مليئاً بالحقد على العرب لأسباب عنصرية، تقسيم فلسطين واقترح إقامة "جدار حديدي" وقد كتب سنة 1923 : "إذا أراد المرء أن يستوطن بلداً يقطنه شعب، فعليه أن يجد من ينفذ له هذا الأمر. فإذا لم تكن هناك قوة مسلحة تقضي على كل حركة تعارض الاستيطان أو تمنعه أو تعرضه للخطر، فسيكون الاستيطان غير ممكن. … إن الصهيونية مشروع استعماري استيطاني يرتبط تقدمه وتراجعه بقوة سلاحه. صحيح أنّه من المهم أن نتكلم العبرية، ولكن الأهم، بكل أسف، أن نتقن استخدام السلاح، وإلاّ فلا استيطان").

وهكذا راح جابوتنسكي، برجاله ذوي القمصان البنية، يحطم المنظمات الصهيونية الكبيرة. ففي سنة 1932 أمر بعملية ضد حركة النقابات الصهيونية، الهستادروت، التي كان يسميها "ورماً سرطانياً كبيراً" في جسد الجالية اليهودية في فلسطين "يزداد خطراً يوماً بعد يوم. وسنشن الحرب على هذا الورم الخبيث حتى نقضي عليه." أمّا دافيد بن غوريون، أحد مؤسسي حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي الإسرائيلي والذي أصبح لاحقاً أحد أهم الساسة الإسرائيليين، فقد حذّر من جابوتنسكي وأسماه "فلاديمير هتلر" في حفل شعبي كبير سنة 1933 وحذّر من "هذا الخطر الهتلري على المسيرة اليهودية الصهيونية." وفي 15 آذار 1933 قال بن غوريون في مناسبة احتفالية أخرى "إن علينا أن نعلن الحرب على هتلرنا ونحن تقترب سريعاً من حرب حياة أو موت." وقد بلغ الخصام أشدّه بين بن غوريون وجابوتنسكي في 16 حزيران 1933 حينما اغتال أبراهام ستافسكي، أحد عملاء الحزب الإصلاحي، رئيس المكتب السياسي للسلطة اليهودية وحليف بن غوريون، حاييم أرلوزوروف

حفيد جابوتنسكي

خرج حزب الليكود من رحم هذه الحركة التي أسسها جابوتنسكي وكان كذلك في تناقض حاد مع كل ما كان عزيزاً ومقدساً لليهودية التقليدية. وهناك شيء آخر، "لم تكن المشكلة هي الصهيونية بشكل عام، وإنما كانت تتجلى في التيار الفاشي ضمن الحركة الصهيونية". ولذلك لم يكن من الغريب أن نرى شارون وأسلافه الليكوديين في رئاسة الوزراء، بيغين وشامير وبنيامين نتنياهو، وقد أصبحوا "أمراء التيار الجابوتنسكي"، والحواريين في هذه العقيدة العنصرية.

"إنهم يشاركون مرشدهم الروحي برفض العقيدة اليهودية التي ورد أحد أهم مبادئها في كتاب موسى الأول، سفر التكوين، "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" . كذلك رفضوا مبادئ أصحاب اسم موسى الثلاثة: موسى المشرع وموسى الميموني وموسى مندلسون، صديق ليسينغ، الذين قالوا إن الله اختار اليهود ليكونوا "نور الشعوب" وهم ملزمون بلقاء الغرباء لقاءً حسناً لأنهم هم أنفسهم كانوا غرباء في مصر. بينما تخفض سياسة الليكود من قيمة الشعب اليهودي وتعتبره شعباً يقوم على خصائص عرقية وقد عقد اتفاقاً مع الرب، كنوع من الملكية العقارية لأرض إسرائيل مع حقهم بطرد العرب الفلسطينيين من هذه الأرض. وهكذا نرى أن كل رؤساء الوزارات الليكوديين قد تبنوا سياسة "الحصول على أوسع ما يمكن من الأراضي" وشددوا على مطالب جابوتنسكي المتعالية، بأن تضم إسرائيل الكبرى كل فلسطين، بما في ذلك شرقي الأردن والبادية السورية، كما ورد ذكر ذلك في صحيفة "الجبهة القومية" سنة 1931 ).

لا تزال تعليمات جابوتنسكي، مؤسس "الصهيونية الإصلاحية"، تمثل إيديولوجيا كتلة الليكود، التي يتولى رئاستها الآن، بنيامين نتنياهو. وقد سار نتنياهو في سياسة الاستيطان، على خطا والده المؤرخ والمتشدد، بنتسيون نتنياهو، الذي أجرى دراسات واسعة حول اليهود في إسبانيا في القرن الخامس عشر وكان من المقربين إلى جابوتنسكي. وهاهو نتنياهو الآن يحلم بإسرائيل الكبرى ولا يعترف للفلسطينيين بحقهم في دولة لهم ذات سيادة. كما أنه مقتنع بأن المقاومة العربية ستبقى ما دام هناك أمل للفلسطينيين بأنهم "سيرمون اليهود في البحر" ذات يوم

نتنياهو يطلب مقاضاة أحمدي نجاد في لاهاي

بنيامين "بيبي" نتنياهو

هذا ما يطلبه الآن زعيم المعارضة الإسرائيلية الليكودي المتشدد "بيبي" نتنياهو. وكما ذكرت الصحافة الإسرائيلية في 20 كانون الأول 2006، فقد ناقش نتنياهو مبادرته الخاصة مع مجموعات الضغط الصهيونية الدولية لتقديم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى المحكمة الدولية في لاهاي. وتساند وزارة الخارجية هذه العملية.

أدار نتنياهو دواليب الحرب النفسية في أوروبا والعالم ضد إيران، حيث هدد في خريف 2006 بشن هجوم نووي على إيران بسبب موقفها من المحرقة اليهودية في أوروبا. وذكر لصحيفة هاآريتس في 14/11/2006 : "أننا الآن في عام 1938 وأن إيران هي ألمانيا. لإيران تتطلع نحو امتلاك السلاح النووي. صدقوا أحمدي نجاد وأوقفوه. يجب أن نوقفه، إنه ينكر المحرقة ويحضر لمحرقة جديدة في الدولة اليهودية" وكما ذكرت هاآريتس وراديو الجيش الإسرائيلي فقد هدد نتنياهو بأن لدى إسرائيل القدرة العسكرية اللازمة لتدمير المنشآت النووية ونسف المكان الذي كان يقام فيه المؤتمر الدولي حول المحرقة في حينه، وأضاف: "لا أود أن أدخل في تحليل قدرات لإسرائيل على إلغاء التهديد النووي الإيراني".

في 19 كانون الأول الفائت كرر نتنياهو تهديداته في تل أبيب أمام حوالي ستين من السفراء الذين دعاهم لمناقشة أعمال عسكرية ضد إيران. "متى دعا زعيم في العالم كله علناً إلى إبادة شعب بكامله؟. دولتي مهددة ودولكم أيضاً – يشكل أحمدي نجاد خطراً على كل اليهود كما كان هتلر في زمانه.

وحتى لا نضيع الارتباط مع أدعياء السامية الألمان، الذين سيكون لهم دور أكبر في القسم الثاني من هذه الدراسة، لا بد أن نذكر أنّ العصابة ابتدأت فوراً بعملها ولم تمض أيام معدودات على إطلاق "بيبي" لهذا الشعار حتى بدأت حملة البغض التي يقوم بها اتحاد "أنا أحب لإسرائيل" وأخذت شكل تظاهرات أيضاً يعلم الله من يمولها. وأي شرف لأولئك الألمان الذين شاركوا بتنظيم الاحتفالات !! وهاهي صرخة الحرب تصدع مرة أخرى من ألمانيا! ليس ذلك إلاّ بداية لحملة ستجتاح كل أوروبا. هل تقف الملايين وراءهم؟

وحتى يتم "بيبي" عمله بشكل جيد، التقى نواباً كنديين وبريطانيين، حسب شبكة إسرائيل في 26/1/2007، ليتهم الرئيس أحمدي نجاد بالتحريض على إبادة الشعوب. كذلك يسعى هؤلاء "السادة" لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية المشددة على إيران، حتى يدرك الإيرانيون أيضاً أنّ "أحمدي نجاد ليس أقل خطراً على شعبه منه على بقية العالم".

يرى نتنياهو أن هتلر استطاع أن يقوم بما قام به ضد اليهود لأنه لم يكن يتكلم عن ذلك بشكل واضح أنه سيبيد الشعب اليهودي. ولكن الرئيس الإيراني يصرح علانية بآرائه ولا أحد يقدم على ردعه عن ذلك. ستدافع إسرائيل عن نفسها إذا اقتضى الأمر، ولكن السؤال: هل سيحمي العالم نفسه؟ إذا هوجمت لإسرائيل كهدف أول فإن سكان البلدان العربية المجاورة سيصابون بأضرار كبيرة أيضاً. تستطيع صواريخ أحمدي نجاد أن تصل اليوم إلى إسرائيل ولكنه يريد الوصول إلى باريس ولندن".

ليست إلاّ إحدى جرائم بنيامين نتنياهو

إلاّ أنّ المسؤولين في لاهاي لديهم من الأسباب ما يكفي لزج "بيبي" في السجن، لو لم يكن إجرام السادة ذوي الياقات البيضاء في المجتمعات البورجوازية، يعد جنحة مغفورة، خاصة إذا كان الضحية عربياً، كما في حال مشعل.

خالد مشعل لدى تعرضه لمحاولة الإغتيال
عن "السي إن إن"

في شهر أيلول 1997 وصل إلى فندق إنتركونتيننتل الفخم في العاصمة الأردنية، عمان، رجلان بجوازي سفر كنديين. بعد
ذلك بوقت قصير، وفي الخامس والعشرين من الشهر، لاحق هذان الرجلان مدير مكتب حماس آنذاك في الأردن خالد مشعل، وهو يهم بدخول مكتبه. وهاجمه أحد "الكنديين" ليدفع جسماً في أذنه اليسرى خرجت منه مادة سامة. هرب المجرمان فوراً بعد ذلك بسرعة في سيارة كانت بانتظارهما. ولكن الحارس الشخصي لمشعل، والخبير بكل فنون القتال، أوقف سيارة خاصة ولحق بهما. توقفت سيارة الكنديين فجأة، نزلا منها وراحا يجريان. ولكن الحارس الشخصي أخذ على عاتقه اللحاق بهما واستطاع أن يلتقط طرف قميص أحدهما، الذي استدار فجأة وضرب ملاحقه بأداة حادّة في وجهه. ودون أن يهتم بجرحه، أوقع أحدهما بضربة واحدة على الأرض وأرسل الثاني بضربة واحدة أيضاً إلى عالم الأحلام. خلال ذلك وصل رجال الأمن الأردنيون وأخذوا الكنديين إلى مخفر شرطة قريب.

سرعان ما اعترف الكنديان أنهما في الحقيقة إسرائيليان ويعملان لصالح الموساد الإسرائيلي. كما تبين للجهة التي تولت التحقيق أن جوازي السفر مزوران. كما لم تلبث المادة السامة طويلاً حتى ابتدأت بالتأثير على مشعل الذي نقل إلى المستشفى وانتابته صعوبة في التنفس وحالة من الإقياء الشديد ولم يطل الوقت حتى دخل في غيبوبة واحتاج إلى تنفس اصطناعي في صبيحة اليوم التالي.

اتصل الملك الأردني حسين برئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، بنيامين نتنياهو، وطلب إرسال الترياق المضاد فوراً وهدده بإعدام رجلي الموساد وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. إلاّ أنّ نتنياهو رفض هذا الطلب، ما اضطر العاهل الأردني للاتصال بالرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، والطلب إليه بالضغط على نتنياهو لإرسال الترياق المضاد. فاستجاب رغماً عنه وأرسل طاقماً طبيا على وجه السرعة إلى العاصمة الأردنية لإنقاذ مشعل.

ويروي موظف رفيع في البيت الأبيض أن كلينتون قال بغضب بعد اتصاله بنتنياهو: "لا أستطيع التفاهم مع هذا الشخص، إنه غير معقول." وقال موظف آخر لم يتمالك نفسه، بصراحة: "نحن نحتقره."

وتقول الحكاية بعد ذلك إنّ نتنياهو أتى في زيارة سرية إلى عمان ومعه بعض الوزراء ورجال الأمن ليطلب استلام العميلين. ولكن الملك حسين لم يستقبله بل أخبره عن طريق أخيه الحسن، ولي العهد آنذاك، أنه لن يطلق سراح العميلين إلاّ مقابل إطلاق سراح "الزعيم الروحي" لحركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، الذي كان قد حكم عليه بالسجن المؤبد في إسرائيل، بالإضافة إلى بعض الأسرى الآخرين. وهكذا كان، فبعد ساعات قلائل كان عشرات الآلاف يستقبلون الشيخ العائد من الاعتقال، أحمد ياسين، في غزة.

غادر الأمير الحسن مباشرة إلى واشنطن وبحوزته الأدلة الدامغة ضد العميلين وأطلع عليها الرئيس كلينتون ومعاونه غور ووزيرة الخارجية أولبرايت، وليطلب من الرئيس الأمريكي أن يمد يده لحماية "عملية السلام" في الشرق الأوسط. وقد صرح كلينتون للواشنطن بوست أنه لا يزال يشعر بنوبات من القرف حينما يتذكر ما فعله نتنياهو والآثار التي كانت قد تترتب على عملية السلام في الشرق الأوسط. أما جريدة الحياة اللندنية فقد روت عن الملك حسين قلقه على الوضع العقلي لنتنياهو، إذ قال: "لا أستطيع أن أفهم طريقة تفكيره وهذا ما يسبب لي قلقاً عليه".

كانت هذه الحادثة أسوأ فشل في تاريخ الموساد. فبعد الحادثتين الانتحاريتين اللتين قام بهما ناشطون من حماس في 30 تموز 1997، وراح ضحيتهما ستة عشر قتيلاً إسرائيلياً، اجتمعت الحكومة الإسرائيلية لتقرر ملاحقة قادة حماس أينما كانوا. وفي نهاية شهر آب قدّم داني ياتوم، رئيس الموساد آنذاك، لرئيس الوزراء نتنياهو، عدة اقتراحات لعمليات اغتيال لبعض قادة حماس في كل من عمان ودمشق. وافق نتنياهو على عمليات الاغتيل في عمان ورفضها في دمشق. وفي أيلول أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ عملية اغتيال مشعل في عمان.

وصف الملك حسين محاولة الاغتيال التي جرت في بلاده، بأنها "خيانة وقحة" لاتفاق السلام الأردني الإسرائيلي. إذ كانت الأردن آنذاك لا تزال البلد العربي الوحيد الذي عقد اتفاقاً كهذا مع إسرائيل. كتب المحلل السياسي الإسرائيلي زئيف شيف في صحيفة هاآرتس أن اختيار عمان لتكون مسرحاً لعملية اغتيال يقوم بها الموساد، سببت ضرراً كبيراً بالعلاقات الأردنية الإسرائيلية.

طالب عدد كبير من المحررين المحافظين والضباط المتقاعدين، باستقالة رئيس الحكومة بسبب هذه الفضيحة السياسية، إلاّ أنّ حزب الليكود، الذي كان يسيطر على ثمانية وستين مقعداً في الكنيست الإسرائيلية، جعل صيحات المعارضة تذهب أدراج الرياح. وكتب زئيف شافيت، السياسي والمحرر في مجلة "جيروزالم ريبورت" : "استطاع القاتل نتنياهو، الذي حضّ على عملية اغتيال وبالتالي على قتل لأهداف سياسية، أن ينجو بجلده، على عكس بعض لصوص الدجاج الذين يقعون في الفخ".

سنتكلم في القسم الثاني عن "المزوّر بيبي وتلاميذه"

ترجمه من الألمانية: الدكتور هاني صالح