كان حادا في مواقفه...الدنيا عنده أسود و أبيض، لا وجود لتدرجات اللون، كنت أقرأ مرة في كتاب الأغاني...قال لي: ما هذه الكتب الصفراء؟، أجبته وقتها: أليس الأصفر من ألوان الطيف الشمسي؟ لماذا يكون من حقنا أن نضع فيتو على اللون الذي لا يعجبنا؟

نستطيع أن نضحك معاً، ونبكي أيضاً... ولم لا ؟ المسألة ليست تقديم الذات بصفتها الجنسوية، إنما ما القول عندمايرفض رجل أن تتبنى أنثى خطابه الذكوري المقيت؟ العالم وجد فينا، لذا وجب بالضرورة أن نشارك في صنعه، ولم نوجد في هذا العالم لنقبل به كما هو، ربما كانت التعليقات التائهة صدى للتيه المعمم، الضارب في زوايا الروح /غير محددة الجنس/ ...وتفاصيل الحياة، الحياة بصفتها مشهداً ينتمي إلى الزمان والمكان ، خصوصية اللحظة، هي التي تميز الأحكام ، في مستوياتها ...وحتى مصادرها،أيجب تذكر ميرامار نجيب محفوظ لندرك أن العالم ليس كما يتبدى لنا نحن، وليس أيضاً كما يتبدى للآخر، العالم كما هو ، كل شيء هو كل شيء آخر ، كل تجلٍّ...يعطي خلقاً جديداً...ويذهب بخلق وفق ابن عربي، من لا يفعل شيئاً هو غير موجود، لنحلم... نعم ، قد يكون هذا غير كافٍ، إنما الحلم بالضرورة شكل من أشكال الفعل، الحلم كمركب يستوي بين الوعي واللاوعي، ولا ينتمي بالتحديد إلى أي منهما / يحمل شيئاً من عناصر الواقع، الأمل... لو استحال تحقيق الأحلام لما وجد من يحلم، فقط إمكانية التحقق والتحقيق هي مصداقيتنا كحالمين، ومسؤوليتنا أيضاً، لنعذر بعضنا عندما نصاب بالغباء، أليس الخطأ من تجليات العقل في جنوحه وحماقاته، نتجاهل حماقاتنا ...مواربة أو مخاتلة، نستحي منها ، ألسنا بشراً؟ من لا ينتابه ضعف البشر ووحشيتهم...ثلجهم ونارهم، هو مسكين، لماذا تقتصر العربدة على الرجال؟ قد يأتونها ...إنما ألا ترد في قاموس حياة الأنثى؟ أليست أنساناً؟ هل جاء ذكر أو أنثى من خارج الزمان والمكان؟ التمييز هنا ليس لصالح تعميم الصفات الانسانوية، وإذا كانت الجنوسة تعطي فروقاً واختلافات على مستوى الشكل والأدوات ربما، فهي لا تقيم أي فرق فيما يختص بالداخل الذي يحيل إلى الروح، قد تقولين أنا من كنت في النساء اختصاراً أين من كان في الرجال اختصارا، قد يكون هذا من حقك، إنما بصفتك انساناً، متميزاً أو عادياً ، َضعيفاً أو مشاكساً ...مسالماً أو مغامراً،لماذا نصرخ في وجه بعضنا ... أنت مخيف ومعقد...وعلي أن أساعدك، لأن تجاربك( كذكر) تخلو من العبر، وتختصر حياتك بقدرتك على الحب بالاكراه، أو الموت بالصدفة، ألا يحمل هذا التقرير والتعميم الكثير من المصادرة على التاريخ والطبيعة والحياة؟ أقول إذا كانت الأشياء مؤلمة، فليس من اللازم دوماً أن تنسى، كذلك الأحكام ، هذه هي الحياة، وهكذا يجب أن تكون،الحياة لا تمنح الأنسب دائماً من وجهة نظر العقل، حتى العقل أصبح خاضعاً لمقاييس الشك والارتياب، العقل الأداتي أصبح خطراً على الحياة نفسها وعلى الطبيعة والكون.

أعود لمسألة التماهي، إنه من الروعة بمكان عظيم أن نجرد من أنفسنا ما يجب أن يقدس، فنحبه ونعظمه ونستخدمه...وربما نعبده، نخترع له تجلياً...مثالاً ، بمقابل تبليس بعض دواخلنا مما هو من طبيعتنا أيضاً ...مزاج؟ ليكن...ليقع الخلط والازدواج...ألم نر الدخان بضوء السراج؟ الارتكاس الذي نشعر به عند مواجهة نواقصنا وعيوبنا، هو أيضاً مشروع، ولا يجب أن نخجل منه، يجب أن نخجل مما لا نفعله مع القدرة على إتيانه ، شرط أن يكون مكملاً لإنسانيتنا ليس فقط بتجلياتها الالهية، بل بما يرضي ذواتنا ونوازعنا أيضاً، بما يكمل الحياة من حيث هي موجودة فينا، ونستطيع بإضافة الخارج إلى الداخل أن ننتج جدل كليهما، ذلك ما فهمته من تماهي داخل نضال الانساني في داخل الآخر...الانسان ، إنما بأدواتها هي... التي تملكها، وهل يستطيع أي من أن يكون غير ذاته؟

المسألة ياسيدتي ليست ذكورة وأنوثة، إنها كليهما معاً،أو تماهي أحدهما بالآخر، في محاولة لاستكمال صورة الانسان في انسانيته، وعندها فقط لا يجب أن نقول أيها البيدق انج بنفسك.

مصادر
سورية الغد (دمشق)