على الرغم من الشكوك واليأس الذي تولد جراء الصراع المحتدم بين حركتي حماس وفتح والذي قد يتحول الى حرب أهلية بغيضة، فأن ما رشح من تسريبات موثوقة، يفيد أن قادة وممثلي حركتي فتح وحماس توجهوا الى مكة بعد أن اتفقوا تقريباً على جميع القضايا المحورية التي كانت تعيق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بإستثناء بعض القضايا الهامشية. ولم يعد هناك خلاف على توزيع الحقائب الوزارية، وحتى مصير حقيبة الداخلية تم وضع حل لها، الى جانب الاتفاق على نص متفق عليه لكتاب التكليف الذي سيسلمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى رئيس حكومة الوحدة المقبلة. ولكن حتى لو افترضنا جدلاً أن هناك قضايا جوهرية لم يتم التوصل لحل بشأنها، فأنه يتوجب على المؤتمرين في مكة ألا يعودوا من هناك، إلا بعد أن يتوصلوا لحل نهائي لهذه القضايا، لأن البديل عن فشل لقاء مكة سيكون مدمراً للشعب الفلسطيني وقضيته. فعلى المؤتمرين في مكة أن يتذكروا أن لقاء مكة هو في الحقيقة الفرصة الأخيرة التي من الممكن أن تمنع تحول الحرب الأهلية من كابوس الى واقع مدمر يأكل الأخضر واليابس، حرب لن تنتهي إلا بعد أن يتم تصفية القضية الوطنية الفلسطينية. الذي يثير المرارة والأسى أن أصواتاً نشاز في كل من حركتي فتح وحماس باتت تسمع في الآونة الأخيرة وهي تقول أن الحرب الأهلية باتت أمراً ضرورياً من أجل حسم الأمور في هذا الإتجاه أو ذاك. وللأسف الشديد، فأن هذه الأصوات تصدر عن شخصيات مؤثرة في الحركتين، وكأنه لم يعد هناك احتلال يجثم على البلاد و صدور العباد. ويستند أصحاب هذا الرأي الى حجة بائسة مفادها أن الصراع حتمي لأن لكل من حماس وفتح برنامجين متعارضين تماماً، وأنه لا يمكن التوفيق بينهما، وأنه حتى في حال تم التوصل لتوافق بين الفريقين، فأنه سيكون مؤقتاً.

ولكن من قال أن التوصل للحسم بين برنامجين متناقضين هو بالضرورة عن طريق الإقتتال الداخلي والمواجهة العسكرية؟. على المؤتمرين في مكة أن يتذكروا أنه في حال نشوب حرب أهلية – لا قدر الله -، فأنها ستكون طويلة جداً وقاسية جداً، فالحديث يدور عن قوتين متقاربتين من حيث العدة والعتاد والإمتداد الجماهيري. وسيكون الوقت الذي ستستغرقه هذه الحرب طويلاً بما فيه الكفاية ليسمح لإسرائيل بإستكمال مخططاتها لتصفية القضية الوطنية في ظروف مثالية، فبإمكان إسرائيل أن ترسي المزيد من الحقائق الإستيطانية على الأرض، وأن تستكمل تهويد القدس والمسجد الأقصى، وتطلق العنان لجدار الفصل العنصري ليبتلع المزيد من الأرض الفلسطينية. ستقدم اسرائيل على كل ذلك، والقوتان الأساسيتان في المجتمع الفلسطيني منشغلتين في حرب الأوهام. عندها لن يكون بإمكان أي فلسطيني أن يلوم الدول العربية والإسلامية على تقصيرها في التصدي لمخططات إسرائيل، فلا يمكن لأحد أن يكون أكثر حرصاً على فلسطين من الفلسطينيين. ولا مجال هنا لطرح الدلائل والشواهد التي تؤكد حجم الرهان الإسرائيلي على الإقتتال الفلسطيني الداخلي.

وحتى تعي كل من فتح وحماس أنه يتوجب أن يفضي لقاء مكة الى اتفاق صادق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الصراع القائمة بشكل جدي، فأنه يتوجب على قادة كل حركة تذكر الآتي:

ما على " فتح " أن تتذكره

على حركة " فتح " أن تعي أن عليها احترام إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار حركة حماس لإدارة مقاليد الأمور بعد أن سيطرت " فتح " على السلطة لأكثر من 12 عاماً. وواضح تماماً أن هناك الكثير من الأسباب التي دفعت الجمهور لاختيار حماس واستبعاد " فتح ". احترام إرادة الجمهور الفلسطيني يفرض على قادة حركة فتح أن يحذروا من التساوق مع الإرادة الإسرائيلية الأمريكية المتمثلة في العمل على إسقاط حكومة حركة حماس بأي ثمن.

يا قادة " فتح "، الجمهور الفلسطيني ليس غبياً، فعندما تبادر الإدارة الأمريكية الى تخصيص عشرات الملايين من الدولارات لدعم اجهزة الأمن التابعة لأبو مازن، فأن كل طفل يعي أن ذلك يأتي من أجل تشجيع هذه الأجهزة على تحدي الحكومة المنتخبة واستدراج القوات التابعة لها لمواجهات عسكرية. أن صمت الرئيس ابو مازن وقادة " فتح " على الموقف الأمريكي الذي تجسد خلال اجتماع اللجنة الرباعية الأخير والذي نص علناً على وجوب مواصلة الضغط على حكومة حماس حتى دفعها للإستقالة، له دلالاته الفارقة. ولا جدل على أن اللقاء الثلاثي الذي سيجمع قريباً ابو مازن وكلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس سيكون حلقة أخرى في مسلسل التآمر على الحكومة الفلسطينية سواء أدرك ابو مازن ذلك، أم لم يدرك. والجمهور الفلسطيني يدرك أن المخطط الأمريكي الإسرائيلي لاسقاط حكومة حماس لا يأتي من اجل مصلحة ابو مازن وحركة فتح، بل من أجل المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وبالتالي، فأن الرأي العام الفلسطيني لا يمكنه أن يقبل أن يعلب طرف فلسطيني أي دور في هذا المخطط. من ناحية ثانية، لا يمكن أن تمارس " فتح " دور المعارضة، فهي عملياً تسيطر على الرئاسة و على كل الأجهزة الأمنية ووسائل الاعلام الرسمية، المؤسسات والسلطات التابعة لها، الى جانب أن التواجد الطاغي لحركة فتح في الوزارات، بالتالي فتح عملياً الطرف الأقوى في السلطة من ناحية عملية.