الاتحاد / توماس فريدمان

عندما تستمتع إلى المناقشة الدائرة في الكونجرس عن العراق من موسكو، فإنك ستجد الأمر مزعجاً. يرجع هذا إلى أنك ستشعر من خلال تلك المناقشات أن الشعب الأميركي ليس أمامه سوى خيارين يقود كل منهما إلى طريق مسدود. الخيار الأول: السير وراء الرئيس بوش والموافقة على قراره بإرسال المزيد من القوات إلى بلد تدور فيه حرب أهلية مقلقة. والخيار الثاني، السير وراء قرار من القرارات التي ربما يصدرها الكونجرس برفض زيادة أعداد القوات من دون تحديد استراتيجية بديلة لتأمين مصالح الولايات المتحدة.

من ناحيتي، أعتقد أن هناك استراتيجية بديلة، ولكن تلك الاستراتيجية ستتطلب وضع رقمين محددين. الرقم الأول يتعلق بتاريخ هو الأول من ديسمبر. أما الرقم الثاني فهو يتعلق بسعر سلعة وهو 3.5 دولار لجالون البنزين. لشرح ذلك دعوني أطرح سؤالاً هنا هو: ما هي مصلحة الولايات المتحدة في العراق خلال اللحظة الراهنة؟ إن مصلحتها تتمثل في كبح جماح الحرب الأهلية الدائرة هناك إلى حد يتيح للفرقاء الدخول في المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية. وإذا ما تبين أن هذا مستحيل، فلن يكون أمامنا سوى إخراج قواتنا من العراق بأقل قدر ممكن من الضرر لمصالحنا.

غير أننا لن نتمكن من كبح جماح تلك الحرب، بمجرد إرسال المزيد من القوات إلى هناك. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحقق ذلك هو تقاسم السلطة في العراق، وتقاسم ثروته النفطية، والتوصل إلى صفقة بين الفرقاء هناك. والطريقة الوحيدة لانطلاق تلك المفاوضات هي أن تكون لدينا قوة ضغط على كافة الأطراف داخل العراق وخارجه، وهي قوة ضغط لا نمتلكها في الوقت الراهن. والمفاوضات دون قوة ضغط في منطقة الشرق الأوسط تمثل إجراءً عقيماً، خصوصاً إذا علمنا أن كل طرف من الأطراف في تلك المنطقة يعرف جيداً كيف يحسب توازن القوى بينه وبين باقي الأطراف الأخرى إلى آخر ذرة.

هنا نجد أنفسنا أمام السؤال: كيف يمكننا الحصول على قوة الضغط هذه؟ الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي وضع تاريخ محدد للمغادرة هو الأول من ديسمبر بحيث يعرف جميع الجنود الموجودين الآن في العراق أنهم في هذا التاريخ تحديداً سيعودون إلى الوطن، وأنهم سيكونون قادرين على الاحتفال بالكريسماس هناك في هذا العام، أو ستتم في هذا التاريخ تحديداً إعادة نشرهم على امتداد حدود العراق بعيداً عن قلب الحرب الأهلية المحتدمة.

في الوقت الراهن، نجد أن كل طرف من الأطراف قد حصل على نصيبه من كعكة العراق وينعم بالتهامها -على حسابنا- وهو ما يجب أن يتغير. فالسُّنة الذين بدأوا هذا الدورة المميتة من العنف يشاركون في الحكومة، ويتفاوضون معنا، ويهاودون المفجرين الانتحاريين والمتمردين. أما الشيعة فهم يتعاونون معنا، ويديرون فرق الموت الانتقامية التابعة لهم، ويتعاملون مع إيران. أما العرب، فيطلبون منا عدم المغادرة في الوقت الذي يرسل بعضهم مفجرين انتحاريين إلى العراق ويضخ الدولارات إلى المتمردين. أما إيران فهي تحث حلفاءها من الشيعة على الاستيلاء على المزيد من السلطات مع مساعدة الآخرين على قتل الجنود الأميركيين.. وسوريا تفعل الشيء نفسه أيضاً.

حسناً يا أصدقاءنا! لقد انتهى الحفل وانفض السامر، نحن سنغادر في الأول من ديسمبر. وعلى كل منكم أن يقوم من الآن فصاعداً بدفع ثمن سياساته بالقطعة. لقد قررنا التوقف عن لعب دور الراعي لحرب نحمي فيها الجميع ويتم في الوقت نفسه استهدافنا من قبل الجميع. نعم على كل طرف أن يدفع ثمن سياساته.. فأنتم أيها السُّنة، إذا ما أردتم الاستمرار في المقاومة فأنتم وشأنكم، أما نحن فنغادر لنترككم تحت رحمة الشيعة. وأنتم أيها الشيعة إذا ما كنتم تريدون العراق لكم، ولا تريدون الدخول في تسوية مع السُّنة، فأنتم وشأنكم أيضاً. ولكن عليكم أن تعرفوا أنكم ستقاتلونهم بمفردكم وأنكم ستضطرون إلى العيش تحت السيطرة الإيرانية.

أما أنتم أيها العرب، فإذا لم تستخدموا نفوذكم من أجل نزع الشرعية عن المفجرين الانتحاريين، والضغط على سُنة العراق، من أجل التوصل لاتفاقية، فعليكم أن تعرفوا أننا لن نحميكم من العواقب. وأنتم أيها الإيرانيون: إنكم تظنون أنكم تكسبون؟ حسناً.. فليكن الأمر كذلك، ولكن عليكم أن تعرفوا أننا لو غادرنا فإنكم ستكسبون شيئاً آخر هو الحق في حكم شيعة العراق، وما أدراكم ما ذلك. طاب يومكم جميعاً.

ويجب علينا ألا نكتفي بذلك، وإنما نعمل أيضاً على فرض ضريبة تؤدي إلى إيجاد سعر أساسي للبنزين يظل ثابتاً إلى الأبد هو 3.5 دولار للجالون الواحد. وإيجاد سعر موحد يصب في خانة بلورة قوة ضغط لنا، لأنه يقول للجميع بلا مواربة إننا سنوفر كميات كافية من البنزين، وسنطبق السياسات التي تؤدي إلى التوصل إلى بدائل كافية من الطاقة النظيفة، عوضاً عن الاعتماد عن أنواع الوقود الأحفوري. وعندما يتم ذلك فإنه لن يهمنا ما الذي ستفعلونه في الشرق الأوسط، لأننا لن نكون بحاجة إليكم.

بمجرد أن نحدد سعراً ثابتاً لجالون البنزين، وتاريخاً محدداً للخروج من العراق، فإنه سيكون لدينا خيارات -لأول مرة- في العراق. سيكون بمقدورنا عندها مثلاً أن نبقى لنتوسط في عقد صفقة، إذا ما كان الفرقاء في العراق على استعداد للاستماع إلى صوت العقل. أما إذا أصروا على التصرف وفقاً للغرائز القبلية فهم وشأنهم. ولكن عليهم أن يعلموا في هذه الحالة أننا سنغادر في الأول من ديسمبر، وأننا سنعزل أنفسنا عن الحرب الأهلية التي تدور في المنطقة من خلال تطوير سياسة ذاتية جديدة للطاقة، وهو ما سيجعلنا في تلك الحالة أكثر أمناً وأماناً وأكثر قوة أيضاً.