الحياة / باتريك سيل

ما الذي يفعله حلف شمال الاطلسي (الناتو) في أفغانستان؟ ما الذي يسعى الى تحقيقه؟ سيتصارع وزراء دفاع حلف الأطلسي، في اجتماعهم في مدينة اشبيلية الاسبانية هذا الأسبوع، للاجابة عن هذه الأسئلة، ولن يكون اجتماعهم سهلا، اذ ستتعمق الخلافات بينهم حول أمور عدة. لقد تحولت مهمة «حفظ السلام» في أفغانستان، خلال السنة الماضية، الى مجابهة حربية شاملة: وكم كانت دهشة المسؤولين عن الناتو كبيرة حين اكتشفوا العمليات الانتحارية والقنابل المزروعة في الطرقات، وتزايد المواجهات العسكرية المسلحة ضد قوات الناتو والقوات الأفغانية معا، التي وصلت اليوم الى مستويات قياسية.

لقد وسعت حركة «طالبان» التي حصلت على أسلحة وتجهيزات عسكرية حديثة، ورفعت من مستوى تنظيمها، نطاق عملياتها، وتمت تصفية الفين من أفرادها، في السنة الماضية، في عمليات عنف، اتهمت «المقاومة الأفغانية» بارتكابها. ومن المتوقع أن تقوم «طالبان» بهجوم كبير في الربيع القادم، يهدف الى السيطرة على الأقاليم الجنوبية من افغانستان، مثل قندهار وهلمند، حيث كانت تقاتل القوات البريطانية في الأشهر الأخيرة، بعد أن جرى دعمها بقوات اضافية.

اذن ما العمل؟

لقد تسلم القيادة في أفغانستان هذا الأسبوع، الجنرال الأميركي دان ماكتيل الذي يحمل أربع نجوم، ليحل مكان الجنرال البريطاني ديفيد ريتشاردز. وتروج اشاعات بأنه سيتبنى نهجا أكثر قسوة وشدة مع المتمردين، وسيكون تحت امرته 35 الفاً من العسكريين. لقد فشل الاتحاد السوفياتي في السيطرة على أفغانستان، على الرغم من زجه ما يقارب مئة الف جندي في المعركة عام 1980، وأرغم على الانسحاب، ثم ان الامبراطورية البريطانية لم تنجح في احتلال أفغانستان على الرغم من احتلال القوات البريطانية لمدينة كابول عام 1839، وخسرت 16 الفاً من جنودها، في مجابهة المقاتلين الأفغان. فهل ستلقى قوات الناتو المصير ذاته؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يشغل بال زعماء الناتو العسكريين والسياسيين الذين سيجتمعون قريبا.

من الواضح ان قوات الناتو ستواجه قوات محلية متمرسة على حرب العصابات القاسية، وقادرة على ان تشن عمليات عسكرية طويلة الأمد، لأنها معبأة بمزيج من عقدة كراهية الأجانب، والتزمت الديني، والتضامن القبلي. ومن المؤكد ان تزايد وتيرة العمليات العسكرية سيتسبب، لا محالة، في احداث الكثير من «الأضرار الموازية»، أي المزيد من القتلى بين صفوف الأفغان الأبرياء، وتدمير عدد كبير من المنازل والحقول، وزيادة الكراهية للأجانب، مما سيجعل السؤال التالي أكثر الحاحا: هل الوسائل العسكرية، في غياب الوسائل السياسية، هي الأسلوب الأفضل لتأمين الاستقرار في بلاد دمرتها الحروب؟

لقد تناوبت على السيطرة على قلعة موسى، وهي قرية في الجنوب الأفغاني، أطراف متنازعة، وفي الصيف الماضي تمكنت القوات البريطانية من طرد حركة «طالبان» منها، ووضع زعماء القبائل المحلية في واجهة السلطة، وما حدث مؤخرا - وان لم تتحدث عنه وسائل الاعلام - هو ان القرية قد دمرت بقسوة في القتال الدائر، وارغم معظم سكانها - ويتجاوز عددهم 10 آلاف - على الفرار.

حين انسحب البريطانيون عادت «طالبان»: ففي قصف جوي في الاسبوع الماضي، قتل قائد محلي من الحركة، هو الملا عبدالغفور، ولكن أي ثمن فادح كبده هذا الزعيم لسكان القرية؟ ومهما يكن من أمر، فان القوات الغربية، في عملياتها العسكرية تعتمد على أسلوب «فتش ودمر!» وقد شقت طريقها داخل المنازل التي لها حرمتها واغتصبت حصانة النساء المسلمات، وهذا ينطبق على ما يجري في أفغانستان والعراق معا، مما دفع السكان المحليين الى الاستنكاف عن تأييد القوات «الصديقة»! بعد أن كان المتوقع أن تساندها.

على ان العمليات العسكرية في أفغانستان تواجه اشكالات هائلة، فالحكومة المركزية ضعيفة جدا، وطبيعة الأرض وعرة، ولا توجد بنى تحتية قادرة على تجنيد جيش حديث. لقد دمرت البلاد بفعل الحروب المتعاقبة، والسكان مصابون بالاحباط وخيبات الأمل، ومهما يكن، فان الأفغان عموما معادون للأجانب، ومتعلقون بمظاهر الشرف والكرامة، ومتمسكون بدينهم.

على ان هناك صعوبتين تواجهان الجيوش الأجنبية لا يمكن تذليلهما بسهولة: الأولى هي اعتماد الاقتصاد الأفغاني على زراعة الحشيش والأفيون، وعلى تجارة المخدرات. ان التخوف من أن تكون القوات الأجنبية، أو المسؤولون الأجانب مصممين على اتلاف هذه الزراعة، وتدمير هذه التجارة المزدهرة، كاف وحده لجعل سكان أفغانستان معادين للأجانب.

والصعوبة الثانية هي طبيعة الحدود الأفغانية التي تسهل تسرب الجماعات الباكستانية التي لا تخضع لسيطرة حكومة اسلام أباد. ان الجبال الوعرة المتعرجة، مثل جبال وزيريستان تؤمن لـ «طالبان» «ملاذا آمنا»، حيث بوسعهم أن يستريحوا، وأن يتجمعوا، وأن يجندوا المقاتلين، وأن يخططوا لهجمات جديدة عبر الحدود.

وكما يجري في العراق – فقد يكون آن الأوان - ان لم يكن قد فات - لاجراء حوار بين كل الأطياف والجماعات القبلية الأفغانية، سواء أكانت من الباشتون أو لم تكن، وخاصة بين الرئيس حميد كارزاي المدعوم أميركياً، و «طالبان». وكما هو الحال في العراق، فان التوصل الى حل اقليمي يحتاج الى اشراك الدول المجاورة لأفغانستان، ومثل هذا الحوار سيكون مفيدا أكثر من المغامرة بحملة عسكرية مكثفة.

ولكن حلفاء الناتو منقسمون حول عدد من القضايا الجوهرية:

* يطالب القادة العسكريون بالمزيد من القوات في ساحة المواجهة، ولكن السياسيين، في البلدان الأوروبية الاساسية، يترددون في قبول هذا الحل: ففي ايطاليا، مثلا، يخضع رئيس وزرائها رومانو برودي، لضغوط مكثفة من اليسار الراديكالي في تحالفه، لسحب قواته من أفغانستان كليا، ثم ان حكومته تتمتع بأكثرية مقعد واحد في البرلمان الايطالي، ويمكن اسقاطها بسبب هذا الموضوع. وواقع الحال ان معظم القوات الأجنبية في أفغانستان تأتي من الولايات المتحدة (26000) ثم من بريطانيا (5200) على ان تدعم بخمسمئة جندي قريبا جدا، وألمانيا (3000) وكندا (2500)، وهولندا (2200)، وهناك دول أخرى في حلف الناتو تساهم بقوات صغيرة، بالاضافة الى قوات أخرى ما تزال تتردد في المجيء الى أفغانستان.

* وهناك خلاف آخر بين الحلفاء حول الأفضليات، هل الأفضلية لإعادة الإعمار ام للعمليات العسكرية؟ ان العاملين في حقل المساعدة الاجتماعية في أفغانستان يطالبون العسكريين بأن يقتصر عملهم على توفير الأمن، على أن يترك موضوع اعادة الاعمار والمساعدات الانسانية الى الصناديق العالمية والى الحكومة الأفغانية حصرا. ان التخوف القائم هو في أن يؤدي اختلاط الحدود الفاصلة بين الأهداف العسكرية والتنمية الاجتماعية والانسانية الى خلق مناخ من عدم الثقة عند الأفغان، وأن تتعرض حياة العاملين في الحقل الانساني للأخطار، كما هو حاصل عند طواقم «اعادة الاعمار المؤقت» الذين ينقسمون الى عسكريين ومدنيين.

* وهناك خلاف بين الحلفاء حول «هل ينبغي على الناتو أن يخوض حربا شاملة في أفغانستان؟» لقد تبنى الحلفاء القوة المسماة «قوة الاسناد الأمني الدولي» بقيادة الناتو، (I.S.A F)، وامتداداتها خارج كابول، حين كان الاعتقاد السائد هو أن تنحصر مهمة هذه القوة بحفظ السلام، ولكن بعض الحلفاء غيروا وجهة نظرهم في ما بعد، وتحولت مهمة هذه القوة الى تحقيق أهداف عسكرية مكثفة، تستهدف اخضاع المقاومة الأفغانية.

* وهناك خلاف جوهري بين أعضاء الناتو حول الأهداف الاستراتيجية والادارية للتدخل في أفغانستان: يبدو ان الولايات المتحدة تعمل الآن من أجل خلق «ناتو جديد»، قادر على تنفيذ مهمات خارج الساحة الأوروبية التقليدية، أي في آسيا الوسطى وافريقيا والشرق الأوسط، دعما لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، ولأهداف السياسة الخارجية الأميركية. ولكن بعض حلفاء أميركا من الأوروبيين لا يقاسمونها هذه الرؤية. انهم لا يتعاطفون مع رغبة أميركا في تحويل أفغانستان الى دولة «تابعة» تحت علم الناتو، يمكن أن تنطلق منها الولايات المتحدة الى آسيا الوسطى، والخليج، وجنوب آسيا، والى أبعد من هذه المناطق.

ان القضايا والخلافات ستصبح أكثر حدة، اذا ما نظر اليها في ضوء حرب الولايات المتحدة على العراق، وفي ضوء مقاربتها العدائية لايران. لا بد من الاعتراف أيضا، أن هذه القضايا هي سبب النزاع الحاد بين حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين.

ان النتيجة التي تم التوصل اليها هي ان مهمة الناتو في أفغانستان هي امتحان قاس للارادة السياسية، وللقدرات العسكرية للتحالف، على ان الأقوال المتداولة تؤكد انه «اذا فشل الناتو، فسيتقوض التحالف».

لقد صرح جب دوهوب شيفر الأمين العام للناتو: «ان مهمة الناتو في أفغانستان هي من أكثر المهمات الصعبة التي واجهها التحالف حتى الآن، ولكن هذه المهمة هي اسهام جوهري في حفظ الأمن الدولي...».

هل هذا صحيح؟ ام ان العكس هو الصحيح؟ أي ان الناتو يدمر أكثر مما يبني، وانه ينشر الفوضى في سعيه الى تحقيق أهداف استراتيجية غير واقعية.

يقول بعض الخبراء: ان تحقيق الاستقرار في أفغانستان يتطلب خمس سنوات، فهل سينجح الناتو - او الولايات المتحدة - في مجابهة هذا التحدي؟ ان ميزانية البنتاغون تبلغ 625 مليار دولار، وهي أكبر من اجمالي الانفاق الفيديرالي الأميركي بنحو الخمس، فإلى متى سيتحمل الكونغرس والشعب الأميركي مثل هذا الهدر والتبذير، في وقت هناك حاجة ماسة للانفاق على الداخل الأميركي وعلى مشاريع الاعمار في الخارج.