فرح الشعب الفلسطيني بتوقيع الاتفاق بين حماس وفتح في مكة لأنه يوقف الاقتتال الذي يدمي القلوب وتعتصر منه الصدور، ويضع الأخ ضد أخيه. الشعب الفلسطيني كله أمل بأن يصمد هذا الاتفاق وألا تعود الفصائل إلى اقتتال مشين لا يخرج منه أحد منتصرا. لكن الاتفاق قصّر في تغاضيه عن إقامة لجنة تحقيق خاصة بالاقتتال، وهو يدفن أخطاء الآخرين الذين يجرون الويلات على الشعب الفلسطيني كما هي العادة على الساحة الفلسطينية. بالتأكيد ستكون الساحة الفلسطينية أكثر تحصينا وأدق حرصا إذا قرر الفلسطينيون محاسبة كل مخطئ ومسيء.

من زاوية أخرى، يؤسس الاتفاق لمرحلة تاريخية جديدة في حياة الشعب الفلسطيني من حيث أن الوحدة الفلسطينية أصبحت مرتبطة بإملاءات الأجانب من أهل الغرب، وبالرغبات الإسرائيلية. لم يستطع قادة الفلسطينيين الجلوس معا لمناقشة هموم الشعب الفلسطيني والبحث عن حلول دون الانحناء لإرادة الولايات المتحدة والرباعية الدولية، وبقيت كل القضايا الفلسطينية الداخلية مثل البناء الاقتصادي والتنمية الأخلاقية ومحاربة الفساد والفلتان الأمني معلقة بما يمكن أن يقرره الفلسطينيون بخصوص المتطلبات الدولية. لم تستطع كل الهموم الفلسطينية أن تجمع الفرقاء، ولم يجتمعوا إلى على همّ الدول الغربية وهو الحصول على توحد فلسطيني خلف القرارات الدولية. ذلك القبول بالقرارات الدولية الذي مزقنا في السابق عاد ليوحدنا الآن.

سقف المطالب الفلسطينية لم يتقلص مع الزمن فحسب، بل أصبح مرتبطا الآن بسياسات الذين أقاموا إسرائيل، والذين ما زالوا يقدمون لها المساعدات بمختلف الأشكال بما في ذلك السلاح الذي يقتل أبناءنا ويهدم بيوتنا. كان من المفروض، حسب التراث النضالي الفلسطيني، أن توحدنا المقاومة، أو أن يوحدنا الحصار ويدفعنا للبحث عن حلول ذاتية وبمساعدة الأصدقاء، لكن التحدي الخارجي مزقنا هذه المرة بدل أن يوحدنا.

هذا الاتفاق عبارة عن هزيمة جديدة للشعب الفلسطيني، وصناعها هم القيادات الذين أغرقوا الساحة الفلسطينية بالدماء ووقفوا في مكة يذرفون الدموع على الدماء الطاهرة الزكية. هم لم يلحقوا بنا عار الاقتتال فقط وإنما اتفقوا أيضا على مسائل يعتبرها القاموس النضالي الفلسطيني من المحرمات.

ارتكبت حماس خطأ كبيرة، بل خطيئة مرعبة بحق الشعب الفلسطيني وحق الذين انتخبوها. كان من المتوقع من الناحية الإسلامية، وبناء على ميثاق حماس وبرنامجها الانتخابي، أن تغادر حماس ساحة الحكومة إذا كان الخيار محصورا بين المغادرة والتوقيع على اعتراف بالشرعية الدولية واحترام الاتفاقيات الموقعة.

تختبئ حماس الآن تحت ستار كلمة احترام، وتجادل بأنها رفضت كلمة التزام. الفرق ليس شاسعا بين الكلمتين. كلمة التزام تعني بأن الملتزم سيقوم بالأعمال التي تقود إلى الوفاء بالتزامه، أما كلمة احترام تعني أن الذي يحترم ليس بالضرورة مطالبا بالقيام بأعمال نحو تحقيق الشيء الذي يحترمه، وتعني أيضا أن عليه أن يقبل بما يقوم به الملتزم دون أن يكون له حق الاعتراض. فإذا قام جهاز أمني مثلا باعتقال مجاهد فلسطيني فإن على حماس أن تحترم هذا الإجراء لأن الاتفاقيات تنص عليه.

سيرفع أحد صوته ليقول بأن كاتب هذا المقال لا يريد وحدة وطنية. الوحدة التي تقوم بناء على رغبات الأعداء ليست وحدة وإنما عبارة عن جيفة لن تجلب على الشعب الفلسطيني إلا المزيد من الويلات. أنا لا أريد هذه الوحدة، وما أريده هو العودة إلى أنفسنا لنكون أوفياء لتاريخنا وديننا وعروبتنا ونضالنا ودماء شهدائنا ودموع أمهاتنا، وعندها ستكون وحدة حقيقية.