وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس التي تحدثت عن "سماح" لمباحثات مع سورية بشان اللاجئين، فتحت أيضا ملفا يشكل مسؤولية خاصة بقوات الاحتلال، بعد أن اصبحت هذه القوات بلا مهمة سوى التحصن بعناصر الأمن العراقي، وبعد أن أصبح المرتزقة صورة عادية في بغداد. فقوات الاحتلال على ما يبدو استبدلت المهام الأمنية التي طالما تحدثت عنها الإدارة الأمريكية في عهد صدام بـ"جيش المرتزقة"، الذي يعيد تجسيد ملامح الغرب الأمريكي من جديد.

لكن رايس عندما بدأت بالتطرق إلى اللاجئين فإنها لا تريد البحث في مسؤولية "الاحتلال"، لأن هذه القضية تثار على هامش جملة من الأزمات ولا يتم التطرق لها من زاوية انهيار الدولة، لأن مسألة اللاجئين تصبح في قلب العراق "مهجرين"، وهو امر لا يتم تناوله بشكل واضح، فالخطط الأمنية المتوالية التي تتعامل معها قوات الاحتلال تعتبر أن مسالة التهجير حالة طبيعية، رغم انها بذاتها مولدة العنف الاجتماعي، وهي تدفع أيضا إلى ظهور قضية اللاجئين خارج العراق.

مسؤولية الاحتلال تقدم مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية تعتبر أن مهامها الأمنية منفصلة عما خلفه تشتت الدولة من ضياع للأمن الاجتماعي، وحرصها على تهيئة قوات امن عراقية لا يتواكب، وربما لا يريد ان يترافق، مع إعادة تاهيل الدولة. ووفق التحرك الأمريكي فإن صورة الدولة متروكة لعمليات التكوين التلقائي الذي تفرضه الميلشيات المتصارعة.

ومسؤولية الاحتلال من جانب آخر تتضح وفق صورة عكفت الولايات المتحدة على تكريسها في السنوات الماضية، محاولة تكوين رأي عام بان العراق يعيش فوضى نتيجة التدخل من دول الجوار، وهي بذلك تعفي نفسها من كافة المهام وتترك لدول الجوار المسؤولية عن أي اختراق حاصل. كما تعتبر أن الاختراقات لا تتعلق بالدولة بل بالالتزام الدول الأخرى خوض حرب افتراضية ضد تدخل هو افتراضي أيضا.

لا يمكن لأحد ان ينكر وجود "أجانب" على أرض العراق بعد أن كسر الاحتلال الدولة، لكن في المقابل فإن حجم المسلحين من قوات احتلال أو قوى أمنية عراقية أو مرتزقة أوميليشيا يمكن أن يكون خاضع لـ"أجانب" قادمين. وهذه الصورة توضح أن الولايات المتحدة تريد "عدوا" افتراضيا قادرا على محاربتها إفشال مهمتها ومكون من "جيش ظلال" يملك قيادة وتحركا مازال مجهولا.

مسؤولية الاحتلال يجب ان تعود لرسم العمليات السياسية داخل "دولة" على شاكلة "الدول" التي ظهرت في القرون الوسطى.