طوابير الانتظار لم تعد تملك صورتها القديمة، لأن المهاجرون اليوم لا يبدلون جغرافيتهم بل يحملونها معهم كحقائب وزن إضافي، فيحاسبهم عليها الجميع بدء من موظفي شركات الطيران وانتهاء بأقسام الشرطة والمنظمات الدولية .. فهل نملك دقائق لرؤية الوجوه التي فقدت موقعها لكنها أرغمت على حمل وطنها في الملامح القاسية للعيون ...

وفي زحمة الطوابير أبحث عنك، فآخر لحظة معك كانت في "حي الكرادلة".. لكن بغداد لم تنتظرني طويلا كي أودعك فافترقنا على "أشلاء" دولة ... بعد أن جمعنا حلم المستقبل.. وها أنا أبحث في السفارات عن الصور القديمة، عندما كنت أجول في العالم وأرى أن الوطن مسكون في داخلي، ورؤيا الوطن تحملني لأفكر بمستقبل لا يمكن أن تخترقه ملامح الشرق الأوسط الجديد، فتكسر حلمي بالحداثة، وبالانتماء لـ"دولة" لا تصبح أشلاء.. وإذا كانت الحدود تنتهي في داخلي فلأني لم أفكر يوما بان العراق لا يقارب أو وطن آخر في "مجموعتنا الشرق أوسطية"..

أبحث عنك وأنا حمل سيوف الماضي و "قذائف" المستقبل، فأدرك أنني اصبحت لاجئة دون أن أترك وطني فانا أحمله معي في الحلم الذي راودني مرة ثم أصبح هاجسا يدفع عني النوم أحيانا والعشق أحيانا أخرى. ولأن البحث عنك أصبح مستحيلا فإنني أعود إلى رسم القادم على مساحات السفارات التي دخلت في عمقنا قبل أن نصبح لاجئين، ثم استقرت على أهدابنا رؤية انكسار لما كنا نفكر فيه منذ ان أردنا حداثتنا على شاكلة المجتمع والثقافة والدولة...

لسنا في العراق .. أو سورية أو الأردن أو لبنان أو غيرها .. فنحن لاجؤون في ثقافتنا قبل أن نحمل مصير الوطن على اكتافنا... ونحن إناثا أو ذكورا نملك البكاء لكننا نشتري الفرح باجساد من نحب، لذلك أعاود البحث عنك بعد أن اغتالتك أحلام العالم ومساحات التبشير المنتشرة من جورج بوش وحتى أسامة بن لادن...

أريدكَ طيف خيال ووطن فوق هموم البلد التي تراكمت من المتوسط وحتى شط العرب .. لأنني خلقت عاشقة خارج أزمنة "السبايا"، ففقدتك في لحظة عنف واستردك في صورة قهر على أبواب الغربة الجديدة ...

أنا مع حلم الدولة التي انتمي إليها ... مع ارتحالي إلى داخلي بدلا من طرق أبواب الدول التي انتهكتني وهي تدافع عن حريتي... أبحث عن مرحلة أستريح فيها دون أن يحاصرني قلق "الغد" الذي يطرق أبوابنا على إيقاع "المخاض" الذي لا ينتهي لشرق أوسط "عجيب"!!