أسئلة مؤرقة ولكن لابد منها …. عندما ننظر إلى عالم تدور فيه المسارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حركة دائبة تزيغ البصر والعقل معا، ما الذي يحصل ؟ لا احد في عالمنا الثالث يدري لأنه وببساطة لا نمتلك رتبة معرفية توازي الذي يحصل، مع علمنا الأكيد “وليس معرفتنا” بالذي يحصل، ومع وعينا الأكيد بالحقيقة المترتبة على القياس بالمنطق الصوري، ومع فهمنا للحق في نصابه أو خارج نصابه.. فهل الحقيقة وحدها تكفي ؟

ماذا يعني أن نقول لأميركا انك على خطأ لأن الحقيقة واضحة كعين الشمس، ماذا يعني أن نحاول إقناع أميركا أنها على خطأ أو أنها سيئة ومعتدية، بل ونذهب إليها كي نقنعها بذلك، ماذا تعني حقيقة أن جزء أساسي من تقدم الغرب اعتمد “منذ ذاك” على نهب ثروات الشعوب المغلوبة ؟ أنها فانتازايا حكواتية لا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به، إذ لا حق ولا حقيقة دون قوة مخلصة تفهم المسافة بين الحق ونصابه ولديها المقدرة على إعادته، أي أنها تتألف من اقنومين الأول أي القوة التي تتمثل بالإنتاج وهو شأن عصري ومعاصر وإبداعي بامتياز والثاني يتمثل بالأخلاق، وهي شأن رقابي مسؤول ومقونن بامتياز … وهو ما يتطلب تطبيق المنطق الصوري على الذات أولا، كي نمتلك شيئا ندافع عنه، أو نبحث في أدوات الرد على اللاحقيقة عمليا لأنها هي الحقيقة التي يؤسس عليها، فالحقيقة هي الاحتلال الأميركي للعراق، وليست المؤامرات التي سبقته، واكتشاف هذه المؤامرات من عدم اكتشافها سيان لأنه ليس من قوة مخلصة تستطيع الرد أو تستطيع فهم وقطع المسافة بين الحق ونصابه، إما إقناع أميركا أنها على خطأ « مع التأكيد أنها على خطأ وهناك أصوات أمريكية تقول بذلك» وانه من المنطق الصوري أن تتراجع عنه كي تصبح عادلة وراشدة وأكثر إنسانية فهذا هراء حتى قبل التطلع ومناقشة أهدافنا ومصالحنا من هذه الدعوة الساذجة والمشكوك في صفاء نيتها وفي صحة منطقها الصوري عند تطبيقه علينا.

ليست هناك حقيقة أقسى من تلك التي واجهتها ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ومع استسلامها العلني للقوة العاتية والظالمة إلا أنهما وفي واقع الأمر كانتا في صراع دائم لإثبات حقيقتهما وليس لإثبات حقيقة المؤامرات التي حيكت ضدهما ومع ملاحظة الزمن الذي بدأتا فيه صراعهما هذا بعد الحرب العالمية الثانية ومؤتمر يالطا الذي جاء بالاستقلال للبلدان العربية على أساس تبادل السيطرة بين القوى التي تمخضت عنها الحرب، أي بدأنا معا في نفس الظروف الاستعمارية والمؤامراتية.. ولنا أن نلحظ إلى أين وصلوا … والى أين سوف نصل … هل عرفوا الحقيقة ؟ هل سرقت اصالتهم ؟ هل شوهت أخلاقهم ؟ هل زور تاريخهم ؟ هل أبعدتهم المؤامرات والتصرفات الرعناء عن بناء مجتمعاتهم والمشاركة بقوة في بناء العالم ؟ مثلنا. لم يحاولوا ولا مرة إقناع أميركا أنها على خطأ … ربما لأنهم لا يعرفون الحقيقة ….. مثلنا .

مصادر
سورية الغد (دمشق)