لولا أن جورج بوش واثق تماماً من أنه لن يتعرض لمحاسبة لما أقر للمرة الثانية بأن قراره الخطير بشن حرب على العراق قد بني على معلومات استخباراتية كاذبة.

عند نهاية الأسبوع الماضي أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الرئيس «أقر بنفسه» بالإخفاق الاستخباراتي بشأن العراق. لكن مع ذلك يبقى الأمر موضع تساؤل، فهل مسؤولو أجهزة الاستخبارات الأميركية هم الذين اتخذوا المبادرة بتضليل الرئيس ـ وفي هذه الحالة يكون الرئيس ضحية بريئة ـ أم أن الرئيس اتخذ قرار الحرب أولاً ثم طلب من الأجهزة الاستخباراتية طبخ معلومات ملفقة «لتبرير» القرار؟

بادئ الأمر كان السبب المعلن لقرار شن الحرب هو أن لدى الإدارة الأميركية «أدلة دامغة» بأن عراق صدام يمتلك أسلحة نووية قابلة للاستخدام الفوري مما يتهدد الأمن القومي الأميركي بالإضافة إلى أسلحة دمار شامل أخرى: كيماوية وجرثومية، ولاحقاً أضيف سبب آخر هو أن لدى عراق صدام علاقة عمل تنظيمية مع جماعة «القاعدة».

الآن نشر تقرير رسمي أميركي يفيد بأن وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية دوجلاس فيث تعمد تقديم معلومات ملفقة لدعم إدعاء الرئيس بوش بشأن «وجود» أسلحة دمار شامل في العراق.. وادعائه اللاحق بوجود علاقة تنسيقية بين العراق وتنظيم أسامة بن لادن، ويضيف التقرير أن فيث قام بتشكيل لجنة كانت مصممة سلفاً على «إثبات» هذين الادعاءين بما يتلاءم مع جوهر القرار السياسي الذي صدر عن الرئيس بوش.

وعلى صلة بالأمر يقر الآن رئيس الحكومة الإسبانية السابق خوسيه ماريا أزنار بأنه «لم تكن هناك أسلحة دمار شامل» علماً بأن أزنار كان من موقعه الرسمي في مقدمة أنصار شن الحرب على العراق إلى درجة أنه أرسل قوات إسبانية إلى الأراضي العراقية لدعم القوات الأميركية، وقبل بضعة شهور أعلن وزير الخارجية الأميركية السابق كولين باول أنه كان مخطئاً عندما سعى قبيل بدء الغزو الأميركي على العراق لإقناع العالم بأنه كان لنظام صدام في ذلك الحين ترسانة من أسلحة الدمار الشامل بما كان يبرر قرار الغزو.

كان باول يخاطب مجلس الأمن الدولي ليعرض على أعضائه خرائط وصور أقمار صناعية وتسجيلات صوتية ملفقة «كأدلة موثقة» بأنه كان لدى عراق صدام قذائف نووية بالإضافة إلى أسلحة كيماوية وجرثومية.

ويبقى السؤال المفتوح: أين المحاسبة؟

هؤلاء المسؤولون الكبار الذين أشعلوا أو شاركوا في إشعال حرب شاملة غير مشروعة وغير مبررة ومساعدوهم من قيادات الاستخبارات وكبار العسكريين.. كيف يبقون بعيداً عن أية مساءلة بينما حصدت الحرب حتى الآن أرواح أكثر من 650 ألف عراقي؟ لا إجابة عن هذا السؤال سوى أنه لا أحد في مؤسسة السلطة الأميركية يرغب في محاسبة أحد فالكل متورطون.

لو فتح باب المحاسبة سيقول الرئيس بوش إن الأجهزة الاستبخاراتية ضللته.. وسيقول قادة هذه الأجهزة إن الرئيس أمرهم بطبخ معلومات ملفقة. وسوف يلتزم أعضاء الكونغرس بمجلسيه السكوت لأن الكونغرس صادق بما يشبه الإجماع على قرار الرئيس بشن الحرب دون التدقيق في ما قدم الرئيس إليه من «أدلة».وإذا كان النظام السياسي الأميركي يفتقر إلى الشفافية والمحاسبة وسيادة القانون فكيف يصح اعتباره نظاماً ديمقراطياً؟

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)