كان زمنا جديدا نكسر فيه طيف الماضي، لأن الأزمنة الجديدة في الشرق الأوسط تتكرر بشكل دائم، فاغتيال الرئيس رفيق الحريري جاء بمعادلة جديدة تتراكب فوق الصورة التي اعقبت احتلال العراق، ورغم أن سير الحدث حمل معه عناوين "الوجود السوري" و "التحقيق" و "المحاكمة الدولية"، لكن الواقع الاستراتيجي للمنطقة ظهر وفق مسارات أخرى لتصبح التفاصيل السياسية "تتمات"، أو حتى هوامش لما حدث أو ربما سيحدث.

بعد حادثة الاغتيال ظهر ان الاختراق للمنطقة أخذ بعدا جديدا، تكسرت فيه قواعد التعامل السياسي، ولم تعد المسألة ترتبط بضغوط دولية أو مصالح للولايات المتحدة، فالتكوين الذي ظهر حمل سمات مكملة للأحداث التي تتالت بعد احتلال العراق، فالمسألة ارتبط أساسا بجملة معطيات:

الأول – أن صورة الحرب الباردة التي تمت تصفيها في أورويا انتقلت مع القرن الجديد إلى الشرق الأوسط، فالإدارة الأمريكية كانت تنظر لدول المنطقة على أنها تركة من النظام الدولي القديم، ولم يعد مسموحا أن تبقى كما هي، والتغير حسب الإدارة نفسها يجب ان يكون بنيويا. من هنا كان احتلال العراق بما يحمله من رمزية "إزاحة الدولة" بشكل كامل وليس فقط القضاء على نظام السياسي.

الثاني – تفتيت المعادلة السياسية القائمة بما تحمله من اتفاقيات أو تجمعات إقليمية على ضعفها، فالاستراتيجية الأمريكية لم تستهدف العلاقة السورية – اللبنانية أو تحاول تعديل مسارها، لأنها استهدفت مجمل النظام العربي عبر تهميش الجامعة العربية وطرح صيغ الشرق الأوسط الجديد.

الثالث – كانت العلاقة السورية – اللبنانية نموذجا لعملية إنهاء الصورة الإقليمية القديمة، وبغض النظر عن الآراء في سير هذه العلاقة من استقلال الدولتين، لكن حادثة الاغتيال وماسبقها من تصعيد سياسي، ثم ما تلاها من تجييش اجتماعي خلقت حالة افتراق واضحة حتى أصبح التصنيف في لبنان مرتبط بـ"العلاقة" مع سورية.

بعد عامين على اغتيال الحريري يستعيد الزمن الجديد صحوته، فإنعاش الذاكرة تم عشية هذا اليوم بتفجير جديد، وقبل بيوم بتصعيد من السفير الأمريكي في لبنان، ويبدو أن العملية السياسية في الشرق الأوسط قائمة على "التصعي"، بدء من الخطة الأمنية لبغداد ووصولا إلى ذكرى اغتيال رفيق الحريري.