كيف يبدو المشهد الشرق الأوسطي هذه الأيام من النافذتين الدمشقية والقاهرية؟

من تسنى له مؤخراً زيارة عاصمتي الخلافة الإسلامية السابقتين، سيلحظ على الفور ظاهرتين متشابهتين وإن اختلفت المعطيات: الأولى، غرقهما معاً في الرماد المتساقط من الحرائق الكبرى الراهنة في الشرق الأوسط. والثاني، إطلالتهما السلبية على مسارات المنطقة ومصائرها.

في دمشق، هذا الرماد له اسم محدد: طوفان النازحين العراقيين الذين تجاوز عددهم المليون، والذين يضغطون بقوة على النسيج الاجتماعي في سوريا وعلى مستويات المعيشة فيها. المواطنون السوريون يشكون غلاء أسعار الشقق وارتفاع أسعار السلع الذي تسبب به هؤلاء النازحون الذين يمتلك العديد منهم، على ما يبدو، قوة شرائية نافذة. والمسؤولون السوريون يخشون انتقال صراعات العراق المذهبية إلى أراضيهم، خاصة أن العاصمة السورية شهدت في الآونة الأخيرة اشتباكات بين النازحين على خلفية هذه الصراعات.

الحل لهذه المشكلة ممكن لكنه صعب، خاصة أن دمشق الرسمية لها إطلالة خاصة للغاية حيال طبيعة الصراع الراهن في المنطقة. إذ هي (وفق مصادر عليا فيها) تعتبره من ألفه إلى يائه صراعاً إيديولوجياً.

ما يجري في الشرق الأوسط، برأي هذه المصادر، لا يعدو كونه جهداً واضحاً يقوده الأصوليون الإنجيليون الأمريكيون لتغيير وجه المنطقة الثقافي والفكري والاستراتيجي لمصلحتهم ولمصلحة “إسرائيل”، وليس مصلحة الحضارة الإسلامية. وهي تعيد إلى الأذهان، في لفتة ذات دلالة، أن أحد أجداد الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، وهو قس اسمه أيضاً جورج بوش، دعا العام 1830 إلى حرب شاملة ضد الإسلام. المصادر العليا لا تنفي عوامل الصراع الأخرى، وعلى رأسها النفط. لكنها ترى أن هذه العوامل هامشية بالمقارنة مع العوامل الايديولوجية المحركة للسياسات الأمريكية. فالنفط كان قبل غزو العراق، ولا يزال، تحت القبضة الأمريكية. وأمريكا، وبرغم متاعبها الراهنة في العراق وأفغانستان، لا منافس دولياً لها في الشرق الأوسط، وهذا ما يفسح في المجال أمامها لتطبيق طموحاتها الإيديولوجية. لوهلة، يبدو تحليل المصادر شططاً فكرياً أو استراتيجياً. ففي النهاية، جذر الصراعات في التاريخ هو حروب الموارد والاقتصاد والأسواق. لكن أي نظرة إلى الوراء حول طبيعة ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع نظرة أخرى إلى الأمام نحو مستقبل الأصوليات الإنجيلية في الولايات المتحدة (التي يقال انها ستشكل قريباً نحو 60 في المائة من الناخبين الأمريكيين) تجعلنا لا نتسرع كثيراً في تجاوز هذا التحليل.

انطلاقاً من هذه الإطلالة الخاصة، تصل المصادر العليا إلى الخلاصات الآتية:

* الخشية من أن يقدم الرئيس بوش على مغامرة عسكرية ضد إيران، لإنقاذ مشروعه الشرق اوسطي المتداعي في العراق.

* عدم استبعاد قيام “إسرائيل” بعدوان جديد على لبنان.

* اتهام واشنطن بتحريك الفتنة المذهبية في العراق ولبنان وبقية المنطقة، لمصلحة المشروع “الإسرائيلي”.

وإلى أين يقود كل ذلك؟

المصادر هنا لا تبدي رأياً قاطعاً، برغم شعورها بالرضى والاعتزاز إزاء نتائج سياسات الرئيس بشار الأسد الإقليمية (حتى الآن على الأقل). القلق هو السائد. وهو، على أي حال، قلق مبرر تماماً، بعد أن “بغدد” النازحون العراقيون دمشق وجعلوها تعيش الحدث العراقي والشرق الأوسط وكأنه يجري “حياً” على أراضيها. كيف يبدو المشهد الشرق أوسطي من القاهرة؟

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)