شلومو جازيت-عن مركز جافا للدراسات الاستراتيجية= ترجمة نصير أبو حجلة

خطة الفصل أو بدقة أكثر خطة اجلاء المستوطنات عن قطاع غزة وشمال السامرة هي مفترق الطرق بالنسبة للسياسة الإسرائيلية في المناطق التي بقيت محتلة لثمانية وثلاثين عاماً بعد حرب الأيام الستة, ففي حزيران من عام 1967 وقفت اسرائيل وحدها لتواجه ما كان يعتبر تهديداً وجودياً في صورة تحالف عسكري لأقطار العالم العربي كلها تقريباً. وحشد هذا التحالف قواته وانتهك حرمة التفاهمات التي توصلت إليها مصر بعد حملة سيناء عام 56 م.

وبعد انقضاء ما يقرب من اربعة عقود أطلقت اسرائيل خطة الفصل بهدف المنع الكامل لتهديد مختلف لوجودها، ألا وهو التهديد السكاني .

فلقد تفهمت أغلبية واسعة في اسرائيل ولعدة سنوات صعوبة ومرارة الخيارات التي تواجه البلاد. أحد هذه الخيارات أن تتخلى عن المناطق وتقسم الأرض (فلسطين) إلى دولتين تاركة اسرائيل بحدود ضيقة في الوقت الذي يشكل فيه هذا الحجم المحدود ضرورة لضمان بقاء اسرائيل دولة ديموقراطية بأغلبية يهودية.

اما الخيار الثاني فكان استمرار الحشد الاسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية من اجل احكام

السيطرة على المنطقة الواقعة ما بين البحر والمتوسط ونهر الأردن، حتى ولو أدى ذلك إلى فقدان

الأغلبية اليهودية في هذه المنطقة خلال فترة وجيزة، وانتهاء اسرائيل كدولة ديموقراطية.

الشخص الوحيد الذي فهم الحاجة إلى تغيير الاتجاه رئيس الوزراء ارئيل شارون الذي اطلق الخطة السياسية الحالية التي تتنازل فيها اسرائيل من جانب واحد عن سيطرتها على الأرض والسكان في قطاع غزة، وتصاعدت هذه الخطة في غياب شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه على برنامج لانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل.

وافتراض شارون بهذه الخطوة التي تتضمن إخلاء جميع المستوطنات اليهودية في غزة (والتي تؤوى حوالي 8000 مستوطن) أنها سوف تعفى اسرائيل من جميع التزاماتها تجاه(3ر1) مليون فلسطيني، وهم سكان عرب تعد نسبة توالدهم واحدة من أعلى النسب في العالم.

بدائل ما قبل خطة الفصل

كيف سيتم تجهيز مشهد الفصل؟ أمر لا مجال لمعرفته إلا حالما يكتمل.

ومع ذلك، سواء تم تنفيذ فك الارتباط بالكامل كما هو متوقع، ولم يقترن بالعنف المتطرف، أو كان مصحوباً بالقوة والمواجهات، وأدى إلى وقوع ضحايا وحتى سفك دماء، ففي كلتا الحالتين سوف تنجم عنه جروح سيكولوجية ومعها نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية واخلاقية خطيرة في اسرائيل.

إن الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية سوف لن يترافق بانسحابات شبيهة في المستقبل القريب، فثمة اعتقاد يخيم بأن الحكومة الإسرائيلية سوف تسقط على الفور عقب الانسحاب، ومن ثم يشرع في اجراء انتخابات للكنيست، ويحتمل حتى قبل موعدها المحدد في نوفمبر من عام 2006.

لا شك أن ميزان القوى في الصراع السياسي القادم سوف يتشكل من خلال هذا الشرخ العميق، إلى جانب الجدل الساخن الذي يشتعل في أوساط السياسيين والجمهور والذي بدأ يأخذ مكانه في هذا العام حول خطة الفصل، لكن المسألة الأكثر أهمية التي ستواجه اسرائيل ونظامها السياسي في الانتخابات الوطنية القادمة هي خيار مؤلم وجديد معاً.

إذ على جمهور الناخبين أن يختار بين ما هو ضروري كسياسة قريبة المدى تكون بالضرورة استمراراً للسياسة المعارضة التي سادت إلى الآن، وبين تبني السياسة التي سوف تستأنف وتعزز خطوة رئيس الوزراء في المضي قدماً نحو الفصل عن الفلسطينيين، والخيار الأخير هذا، هو السياسة التي سيتم الانتهاء إليها على المدى البعيد.

كذلك فان الخيار الذي تواجهه اسرائيل قد يتشكل بطريقة أخرى، فمن زاوية قد تقنع بشاعة وقسوة المشاهد المؤلمة للاخلاء، اسرائيل والعالم الخارجي أن لا أحد يستطيع ان يتوقع أو يطلب من اسرائيل تنفيذ إخلاء آخر في هذا الوقت من يهودا والسامرة، بل إن من المشكوك فيه أيضاُ أن تكون اسرائيل قادرة على الوفاء بوعدها للادارة الأمريكية بتفكيك البؤر غير القانونية، ووقف البناء في المستوطنات، فثمة ما هو أكثر من دلائل بسيطة على أن الاحتفاظ بالوضع القائم والتخلي عن أية مبادرات دراماتيكية سوف يكون السياسة المفضلة لرئيس الوزراء في المستقبل القريب، والخطة الواضحة التي سيقدمها لناخبيه.

وعلى العكس من هذا الخيار يأتي البديل الآخر وهو أن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية سوف يشكل سابقة نحو تفكيك المزيد من المستوطنات واجلاء مستوطنين يهود.

وكما جرى اخلاء ثمانية آلاف مستوطن فللأسباب نفسها سيكون من الضروري إخلاء عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود من مناطق في يهودا والسامرة كجزء من خطة استراتيجية للفصل، تحت ذريعة التراجع احادي الجانب خلف الحدود الاثنية الديموغرافية التي تقررها اسرائيل.