سامي الزبيدي

عبثا نبحث عن مقاربة عربية للزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى ايران, فالملفات موضوع البحث سواء في اللقاء مع احمدي نجاد أو مع رئيس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني هي ملفات عربية العنوان لكنها - ولشديد الأسف - غير عربية المخرجات.

لقاء القمة السورية الايرانية تحدث حول ملفات تتعلق بمصائر عرب سواء في لبنان أو فلسطين او العراق لكن بحثها لم يخرج عن كونه توصيفا لمختبرات تشخص التفاعل السياسي بين رؤيتين متناقضتين ليس لدمشق ادعاء امتلاك أي منها.

إن دمشق حتى هذه اللحظة والى إشعار آخر لم تأخذ الفرصة الكافية لقراءة المشهد الاقليمي بعيون غير ايرانية وهذا مرده إلى رغبة الجارة الشقيقة في مغادرة المظلة العربية التي كانت تقي القيادة السورية فيما مضى تقلبات الطقس الدولي.. فتحول العلاقة الاستراتيجية بين حلفاء الأمس إلى علاقة غير متكافئة ينذر بفقد دمشق للكثير من أوراق القوة.

من يدقق النظر في تحولات العلاقة السورية - الايرانية تصدمه الوقائع.. اذ ثمة رائحة لابتزاز ايراني سافر تجاه دمشق, فحلفاء ايران في العراق لم يتوقفوا عن انتقاد سورية ووصمها بالارهاب, ورغم قوة تأثير ايران على أبنائها من قادة العراق الجدد إلا أن أحدا من هؤلاء لم يوفر دمشق من الانتقاد, ولم يتم الاكتفاء بذلك فقط بل جرت عملية تحويل مبرمج لكل الخطايا الايرانية في العراق يجري تحميلها على الكاهل السوري المتعب أصلا.

والابتزاز الايراني لسورية لم يتوقف عند هذا الحد.. اذ ان التصلب الذي يبديه حزب الله تجاه المحكمة الدولية لقتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري يتم توظيفه ايرانيا على شكل حماية ايرانية لسورية, الأمر الذي يصوّر القيادة السورية كمتلق للسياسات وليس كصانع لها..

إن جوهر المعضلة لدى الأشقاء في سورية انهم اعتقدوا أن الخيمة الايرانية أكثر متانة من نظيرتها العربية وأكثر قدرة في صد الأنواء الدولية.

حين جلس الرئيسان نجاد والأسد وتناولا الملف العراقي هل كان على جدول الأعمال بند لمناقشة حملات التطهير الطائفي للعرب السنة في بغداد وهل بحثت قضية توفير طهران ملاذا آمنا لقادة فرق الموت من التيار الصدري وهل جرى الطلب من ايران التوقف عن الحديث حول الارهاب العربي في العراق!! ثمة حقيقة سياسية تتبلور وتزداد وضوحا مع مرور الوقت إذ كلما توطدت أركان العلاقة السورية مع ايران فان ذلك ينعكس سلبيا على علاقات دمشق مع محيطها العربي وكلما ازدادت المديونية المعنوية السورية لدى ايران فان ذلك يمثل كشفا لحساب سورية العربي..

إذا صحت معلومات رئيس المركز العربي للدراسات في طهران بأن هناك خلافات جدية برزت مؤخرا بين طهران ودمشق فان ذلك يؤشر إلى عدم قدرة الأشقاء في سورية على احتمال المزيد من الابتزاز الايراني سواء في الموضوع اللبناني او العراقي وربما الفلسطيني فهذه الساحات المتداخلة لم تعد من وجهة النظر الايرانية سوى أسوار متقدمة لحماية البرنامج النووي وسورية بذكائها الجيوسياسي لا يمكنها ان تبقى تلعب دور المبشر بقرب فرج الامام المهدي .

سورية أحد الأعمدة الأساسية في الخيمة العربية والبقاء خارج هذه الخيمة ليس في مصلحة الأشقاء في دمشق كما انه ليس في مصلحة العرب.. اذ يكفي إن لقاءات الأسد مع محيطه لا تحتاج إلى مترجمين كما حصل في القمة الاخيرة مع احمدي نجاد..