الاتحاد

شيراك يودِّع ومقتدى يهرب... و"كيم" يهزم بوش بـ"القاضية"!

قمة "كان" الفرنسية- الأفريقية، والتسوية المراوغة لملف كوريا الشمالية النووي، وآمال وفرص التهدئة في الشرق الأوسط، موضوعات ثلاثة نضعها تحت دائرة الضوء، في قراءة سريعة في افتتاحيات بعض الصحف الفرنسية.

في وداع "شيراك الأفريقي": قمة "كان" الفرنسية- الأفريقية التي انعقدت آخر هذا الأسبوع اكتسحت افتتاحيات العديد من الصحف الفرنسية الجهوية. في "لاشارانت ليبر" اعتبر "جاك غييون" أن القارة السمراء تعتبر في زمننا هذا قارةً نشازاً وميؤوساً منها، حيث الحكم الصالح هو الاستثناء والفساد هو القاعدة، وحيث تزدهر الحروب والمجاعات والإبادات بدل التنمية والتطلع إلى المستقبل. ولذا فإن القمة الفرنسية- الأفريقية الـ24، انعقدت في أجواء محتقنة ومختلفة تماماً عن أجواء انعقادها أيام الجنرال ديجول، حين كان بصيص أمل شحيح يلوح في أفق القارة، على رغم كل الظلامات وأشكال التخلف والتبعية. وفي "لو تلغرام" كتب "إيبير كودرييه" افتتاحية ذهب فيها إلى أن خطاب الرئيس شيراك في هذه القمة يعتبر بمثابة وصيته السياسية الأخيرة للزعماء الأفارقة، خاصة أن علاقاته مع العديد من زعماء القارة ترقى إلى مستوى الشخصي، والشخصي جداً أحياناً كثيرة، وقد انتسجت خلال الإثني عشر عاماً من حكم سيد الأليزيه المخضرم، في مقابل العقود الممتدة اللانهائية من حكم بعض الزعماء الأفارقة. ونبه الكاتب إلى بعض تعقيدات سياسة فرنسا تجاه القارة السمراء، ففي حين يتهم البعض العهد الشيراكي بعدم القطع مع ممارسات عصر الاستعمار، من تدخلات عسكرية وضغوط وأيادٍ غارقة في تفاصيل "مطبخ" الحكم في أكثر من عاصمة أفريقية، فإن هذه السياسة مع ذلك عرفت تبدلات جوهرية خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت تقف في مسافة ما بين "التدخل المباشر" و"الحياد"، في العديد من الأزمات الأفريقية. أما في "الإندبندان دو ميدي" فقد كتب "برنار روفل" افتتاحية ساخرة شبَّه فيها ديباجات قمة "كان" السياسية الفضفاضة ببهرج مهرجان "كان" السينمائي المشهور. وفي "سيد ويست" وصف "فرانك دوبون" الرئيس الفرنسي بأنه ظل لفترة طويلة بمثابة ناطق رسمي باسم القارة السمراء، وإن لم تخلُ العلاقة عموماً من بعض التعقيد، ومن دواعي الشكوك أيضاً. وفي "لامونتان" ذهب "ألكسندر مورل" إلى أن قمة "كان" هذه تطوي صفحة من تاريخ العلاقة بين باريس ومستعمراتها السابقة، فقد انتهى الآن إلى الأبد دور "الدركي" الذي كانت تلعبه فرنسا، وباتت أفريقيا ملعباً مفتوحاً لكل اللاعبين العالميين الباحثين عن مواقع نفوذ وموارد أولية، من الصين إلى الهند، ومن أميركا إلى ألمانيا واليابان. وهذا ما يذهب إليه كذلك، وإن بعبارات أخرى، "توماس هونونغ" في ليبراسيون، في مقال بعنوان: "وصية شيراك الأفريقي"، والعنوان ينطق طبعاً بكل شيء.

"مقلب" انفراج أزمة "النووي" الكوري الشمالي: في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو نبَّه "بيير روسلين" إلى أن من رضخ في النهاية في لعبة شد الأذرع بين بيونج يانج وواشنطن هو هذه الأخيرة. فقبل عام مضى لم تكن واشنطن مستعدة للحديث عن شيء، بخصوص "النووي" الكوري، سوى تجميد برامجه دون قيد أو شرط. ولكنها الآن تخفي في غمرة احتفالاتها بالاتفاق الأخير مع نظام "كيم يونج إيل" حقيقة أنها هي من رضخ، فاتفاق وقف برامج كوريا الشمالية لم يتعرض ولو بكلمة للأسلحة النووية التي يفترض أنها بحوزة بيونج يانج. ويرى روسلين أن إدارة الرئيس بوش كانت مستعدة مسبقاً لقبول أي عرض من محاورها الكوري العنيد، وذلك لكي تتفرغ للمأزق العراقي، ولمواجهة الملف الإيراني أيضاً. ويمضي الكاتب قائلاً: "إن الاتفاق الذي وقع مؤخراً في بكين دليل آخر على أن البيت الأبيض، حين يضطر، لا يتأخر عن تبني مبدأ البراغماتية الضرورية". أما في لوموند فقد تحدثت افتتاحية خصصت لهذا الموضوع عن المكاسب التي حققها الرئيس "كيم" من اتفاق بكين الأخير. ففي حين اتبع الرئيس بوش استراتيجية مزدوجة بالتلويح بالخيارين الدبلوماسي والعسكري، ووضعهما معاً على الطاولة، اتبع الزعيم الكوري استراتيجية شديدة البساطة، وشديدة الفاعلية أيضاً، هي تحويل برنامجه النووي إلى وسيلة ابتزاز مالية، واقتصادية، أثبتت التجربة أنها حققت ما يراد منها. والخشية الآن أن تتبع إيران نفس الطريقة بالمزيد من المضي قدماً في برامجها النووية وفي المزيد من الابتزاز، على أمل انتزاع اعتراف أميركي بدور إقليمي في الشرق الأوسط. وفي سياق متصل كتب "جيل دوكسير" افتتاحية في "لا بروفنس" قال فيها: "في حين أراد كيم يونج إيل الإبقاء على نظامه ملوحاً بأنه بات يمتلك القنبلة، فإن أحمدي نجاد يسعى الآن لفرض نفوذ إيران على الساحة الدولية من خلال توليد الانطباع بأنه بصدد صناعة القنبلة. والحقيقة أن الرئيس الإيراني المتعطش لدور مهيمن لبلاده، دينياً وسياسياً، في الشرق الأوسط، إنما يسعِّر في الواقع أسباب التوتر في عموم المنطقة".

الشرق الأوسط... السلام المستحيل: تحت هذا العنوان كتب "ميشل بول- ريشار" مقالاً في صحيفة لوموند استحضر في بدايته بعض محطات وعثرات عملية التسوية في النزاع العربي- الإسرائيلي، مؤكداً أن اللقاء الثلاثي الآن بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هدفه الأساسي هو إعطاء الفلسطينيين أفقاً سياسياً يسمح لهم بإعادة تعليق الأمل على إمكانية عودة قطار عملية التسوية إلى سكّته. غير أن المشكلة تبقى مع ذلك على حالها، فيما خص المسائل الجوهرية كالقدس و"المستوطنات المتوحشة"، وعودة اللاجئين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود "مؤقتة" أم "دائمة"، إلى آخره مما شلَّ أصلاً خطة "خريطة الطريق" العزيزة على نفوس الأميركيين، والتي تجاوزتها عملياً الأحداث منذ زمن بعيد. ويتوقف نجاح مساعي "رايس" الحالية على استعداد الجميع للعودة مع الزمن إلى الحقائق التي كانت قائمة قبل 40 سنة خلت، أي قبل حرب 1967، وهو خيار لا يبدو أن شروط نضجه قد اكتملت بعد في إسرائيل. تماماً كما يتوقف النجاح على قدرة "رايس" على فرض مبدأ "الاعتراف مقابل الانسحاب"، وهو أيضاً خيار لا يقل صعوبة بأي وجه. وفي سياق متصل جاء مقال ألكسندر أدلر الأسبوعي في صحيفة لوفيغارو تحت عنوان: "عودة الإمبراطوريات"، وفيه استدعى أسباب التهدئة الحالية في بؤر الشرق الأوسط الملتهبة، ملفتاً النظر إلى دور الدبلوماسية السعودية، في ما يتعلق بوقف الحرب الأهلية الفلسطينية، بعد اتفاق مكة المكرمة، وأيضاً في دورها في الأزمة اللبنانية. كما نبه الكاتب إلى أهمية التحولات البازغة الآن في إيران، حيث بدأت تعلو أصوات أقل تطرفاً، كوزير الخارجية الأسبق ولايتي، الذي أصبح مستشاراً مقرباً من خامنئي، والذي يفضل الروس محاورته، وقد أدلى مؤخراً بتصريحات مهادنة وأقل تشدداً من خط النظام السائد. هذا إضافة إلى العلامات الدالة على قرب كسر عظم بعض الأجنحة المتطرفة في صفوف شيعة العراق كمقتدى الصدر، الذي يشاع أنه هرب الآن إلى إيران، والذي بدأت ميليشياته في التخفي عن الأنظار. هذا إضافة إلى عودة الدور التركي للتأثير في الصراعات الشرق أوسطية، ومن ثم فلا أحد يستبعد أن تتلبَّس روح الإمبراطورية العثمانية مجدداً كثيرين في أنقرة، كما تتلبس روح الإمبراطورية السوفييتية كثيرين آخرين الآن في موسكو. إنها عودة الإمبراطوريات إذن، ومن الكوريدور الشرق أوسطي.