لا تعود تصنيفات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس إلى قاموس خاص ابتدعته خلال تعاملها مع مفهوم "الفوضى البناءة"، فحتى المصطلح الأخير يملك على الأقل نوعا من الإرث في ثقافة هوليود، التي تعطي الحق لأفراد ببث الفوضى والاعتراض على النظام القائم لصالح حالة جديدة تظهر دائما عبر تفوق الخيال.

فقاموس رايس الذي حمل "الدول الفاشلة" أو بتعبير آخر لها "دول التطرف" في مقابل الدول المسؤولة يحمل صورة خاصة على "السمة الإيديلوجية" التي ميزت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال السنوات السبع الماضية، حيث غلب الشكل "القيّمي" على الخطاب السياسي مثل استخدام "الدول المارقة"، أو "محور الشر" وقبل أسبوع إضيف علية "عصابة الأربع"، أما أمس فأصبحنا أمام دول فاشلة وأخرى ناجحة.

والأزمة الأساسية في هذا الخطاب الذي يقدم تبريرات لاستراتيجية الأمريكية أنه لا يستغني عن الطابع البرغماتي للسياسة التي تتميز بها الولايات المتحدة، لكنه يضيف إليها بعدا تسويقيا يرى البعض أنه قادر على النفاذ إلى "أسواق السياسة" الشرق أوسطية!! ووفق هذه الآلية فإن "التسويق السياسي" يدعم الاتجاهات السابقة التي تصنفها رايس بـ"الدول المسؤولة".

وإذا حاولنا عدم الدخول في جدل حول هذه "الفلسفة" في إيجاد استراتيجية أمريكية للقرن الواحد والعشرين، لكن مسألة "الدول الفاشلة" تطرح أسئلة حول ماهية المقياس الذي يتم اعتماده اليوم لعمليتي الفشل والنجاح. فقبل سنوات كانت المقاييس مرتبطة مباشرة بعلاقة الدولة بالمواطن، فظهرت مصطلحات "الدولة الشمولية" أو "التولتارية" أو "الدكتاتورية"، لكن اعتبار بعض "الدول الفاشلة" لا يقدم تصورا كاملا للطابع الحقوقي للدولة الذي كان المعيار الأساسي الذي تم النظر عبره خلال العقود السابقة.

"الفشل" هنا اعتمادا على الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة "متنفسا ديمقراطيا" يدفعنا بشكل سريع خارج مفهوم الدولة المعبرة حقوقيا عن المجتمع، ففي العراق تبدو المسألة الأولى في تشتت الدولة بالدرجة الأولى، وفي عدم قدرتها على أن تكون دولة الجميع. ويبدو الأمر في لبنان وفق واقع مغاير حيث تدعم الولايات المتحدة جناحا سياسيا (له قطاعاته الاجتماعية بالطبع) في مواجهة تيار آخر، وتبدو الدولة منقسمة بشكل عامودي، بينما يتصارع الطرفين حولها.

وإذا كان "الفشل" و"المسؤولية" مرتبطة بما اسمته الولايات المتحدة "دول الاعتدال" فإن هذه الدول تعاني من أزمة علاقة على مستوى الحقوقي مع المواطنين، وهي حتما لا علاقة لها بالتصنيف القديم للدولة على أساس "الديمقراطية" و "الديكتاتورية".

إن مقياس الفشل الذي وضعته رايس لتقييم الدول هو مفتاح رؤيتها لدول الشرق الأوسط الجديد.. الدول الباحثة عن مواطنيها اللاجئين أو التائهين .. والدول التي لا تستطيع تقرير مصيرها إلى باكتساب مرجعية دولية تقدم لها المقاييس.. إنها الدول التي توقف البحث فيها عن أفق الحداثة في المفاهيم السياسية، وربما عادت لرسم شكلها على سياق التراث.. هي دول مسؤولة بلاشك، لكنها مسؤولبتها تنتهي عند القورن السابقة، أما الدول الفاشلة فمهما تم تصنيفها سابقا أو لاحقا فهي على الأقل موجودة على خارطة مجتمعاتها حتى ولو كانت تحتاج إلى تعميق مفاهيمها وتطويرها.