النهار / سركيس نعوم

اعتبرت اوساط سياسية واعلامية لبنانية وعربية في الاسبوعين الماضيين ان "حزب الله" قائد "المعارضة الوطنية اللبنانية" خسر كثيراً مذ شغل نفسه بالوضع السياسي الداخلي في البلاد ودخوله زواريب السياسة المحلية وتحوله طرفاً مباشراً جداً في الصراعات المحلية، سواء بالاصالة عن نفسه او بالوكالة عن حلفاء له من داخل ومن خارج. واعتبرت ايضاً ان الانشغال المذكور اثّر على سمعة الحزب وصورته بل على هيبته وكذلك على شعبيته التي كادت ان تتجاوز قبل التحرير عام 2000 وبعده حدود الطوائف والمذاهب، واحاله طرفاً مذهبياً يسعى الى المحافظة على الدولة ضمن الدولة التي اقام وتالياً السيطرة فعلياً على البلاد رغم الاحترام الظاهري او الشكلي لاتفاق الطائف الذي لا يمكن تجاوزه على الاقل في المرحلة الراهنة. كما جعل منه وكيلاً لمحور اقليمي معين استعمل دائماً لبنان ساحة لخوض معاركه مع الآخرين في المنطقة والعالم ولا يزال يستعملها على ما في ذلك من ضرر كبير للبنانيين. وما زاد "الطين بلة" بالنسبة الى الحزب المذكور اخفاقه المستمر الى الآن في تحقيق اهدافه واهداف حلفائه المحليين والاقليميين من الانتقال الى الشارع الذي مارسوه منذ الاول من كانون الاول الماضي. واعتبرت الاوساط نفسها اخيرا ان الطريقة الوحيدة امام "حزب الله" للخروج من زواريب السياسة الداخلية اللبنانية بل من المستنقع الذي وقع فيه او اوقعه فيه حلفاؤه الاقليميون هي العودة الى الجنوب اي الى مقاومة اسرائيل سواء بسبب استمرار احتلالها مزارع شبعا او احتجازها لبنانيين او خرقها السيادة اللبنانية جواً وبراً وبحراً. ومن شأن ذلك في رأيها استعادة الحزب تعاطف اللبنانيين وثقتهم بمواقف قادته على رغم "الحدود" الطائفية والمذهبية التي تفرّق "الشعوب" اللبنانية او تقسّمها. ولم تكتف الاوساط اياها بهذه الاعتبارات بل اكدت وجود نوع من المراجعة داخل قيادات "حزب الله" لكل مسيرته السياسية في البلاد وخصوصاً في السنتين الاخيرتين وتحديدا في الاشهر الأخيرة، ورجحت ان تنتهي بقرار جريء هو الخروج من الزواريب ومن السياسة اللبنانية المحلية بكل تعقيداتها ومفاسدها ومساوئها.
هل صحت الاعتبارات المفصلة اعلاه لعدد من الاوساط السياسية والاعلامية المحلية والعربية؟
الجواب هو كلا. ذلك ان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله خيب هذه الاوساط في خطابه الاخير الاسبوع الماضي عندما اكد ان حزبه لن ينسحب من السياسة اللبنانية بكل تفاصيلها رغم كل التطورات والممارسات، وعندما اكد ان ذلك لن يؤثر على اولويته الدائمة التي هي البقاء في الجنوب والاستمرار في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وفي الدفاع عن لبنان بالتعاون مع الجيش اللبناني. طبعا لم يكن احد ينتظر من السيد نصرالله موقفاً مغايراً او مخالفاً. ذلك ان الانسحاب من الداخل السياسي على النحو الذي يطرحه البعض سيكون اقرب الى الفشل وربما الى الهزيمة منه الى الانتصار فضلا عن ان العودة الى الجنوب قد لا تكون ذات معنى لانه اساساً لم يغادره ولان مقاتليه لا يزالون فيه سواء جنوب الليطاني او شماله ولان سلاحه الخفيف والمتوسط والثقيل لا يزال في اماكنه.
لكن ذلك كله على حقيقته لا يعني ان "حزب الله" مرتاح او انه ليس في مأزق كما يعتقد البعض، فعلى صعيد الداخل تحول الحزب مذهبياً في رأي المذاهب والطوائف اللبنانية الاخرى فخسر بذلك الكثير من رصيده الوطني وصار طرفاً مباشراً في صراع مذهبي وطائفي محتدم لا يزال سياسياً الى الآن رغم "جس النبض" الذي حصل في 23 كانون الثاني الماضي و25 منه. لكن احدا لا يستطيع الجزم بانه سيبقى كذلك ولن يتحول حرباً فعلية او فتنة او فوضى. وهو على صعيد الداخل والمنطقة بعربها والمسلمين صار ممثلاً لمحور اقليمي معين ضد محور اقليمي اخر مدعوم مباشرة من غالبية المجتمع الدولي. وبصفته هذه صار مهددا وحدة لبنان واستقلاله وسيادته ودافعا له كي يعود الى الوصاية التي رفعت عنه في نيسان 2005. وهو على الصعيد الاسلامي العام صار رمزا لصراع مذهبي او لمشروع مذهبي بعدما كان رمزاً لمشروع اسلامي وقومي ووطني يحظى باجماع كل المسلمين في العالم على اختلاف مذاهبهم.
الى ذلك كله، لا تبدو العودة الى الجنوب على الاقل على النحو الذي تحدثت عنه الاوساط السياسية والاعلامية المحلية والعربية سهلة. فهذه المنطقة العزيزة التي عانت كثيرا وعلى مدى عقود ويلات الاحتلال الاسرائيلي والمطامع الاسرائيلية صارت بعد حرب تموز الماضي في وضع اخر غير الذي كانت عليه. فهي في عهدة القوة الدولية المعززة وفق قرار مجلس الامن رقم 1701. ويعني ذلك ان اي عودة الى ممارسات ما قبل الحرب الاخيرة واي اصطدام مع القوات المذكورة سيضع الحزب ومعه لبنان ربما في مواجهة المجتمع الدولي واسرائيل من جديد. وليس اكيدا ان هذه المواجهة ستبقى سلمية. فهل يستطيع مناصرو "حزب الله" الكثر تحمّل دمار جديد وربما اوسع من الذي حصل قبل اشهر؟ وهل يستطيع الحزب احتمال عواقب ذلك؟ وماذا سيكون رد فعل اللبنانيين الآخرين؟
طبعا، لا يرمي هذا الكلام الى حصر المأزق بـ"حزب الله". فكل الافرقاء اللبنانيين في مأزق. ذلك ان انتصار كل منهم على غيره مستحيل وكذلك انكساره. ويضع ذلك الوطن كله في مأزق. والطريق الوحيدة للخروج منه هي الخروج من كل المحاور الاقليمية والدولية فعلاً وليس قولا فقط وهي التخلي عن اوهام السيطرة الفئوية على الداخل والتمسك بالوطن السيد المستقل الديموقراطي وبالعيش المشترك المتوازن. ولذلك فانه يرمي الى دعوة الجميع الى عدم استغباء الناس العاديين والى التصرف بما تمليه عليهم مصلحة الوطن لا الطوائف والمذاهب والاشخاص وحلفاء الخارج.