قطار الاتصالات والمشاورات العربية الإيرانية، ما عاد يتوقف في محطته الدمشقية أو ينطلق منها، كما كان يحدث من قبل، فسوريا تشعر اليوم أن مياها كثيرة تتسرب من تحت أقدامها، وأن الدور الذي لعبته منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979 كوسيط وناقل رسائل بين العرب – الخليجيين خصوصا – وإيران، لم يعد قائما بعد أن أصبحت هي بالذات من يحتاج الوساطة الإيرانية في علاقاتها مع العرب عموما والخليجيين على وجه الخصوص.

وينتاب دمشق شعورا عارما بالقلق، فطهران تتبادل الزيارات والموفدين رفيعي المستوى مع الرياض، أكثر مما تفعل مع دمشق، فيما طريق الرياض – دمشق الذي كان سالكا بصعوبة بعد اغتيال الحريري، بات مغلقا إلى حد ما، وبالاتجاهين معا، بعد "خطاب أنصاف الرجال" الشهير الذي ألقاه الأسد مقيما تجربة الحرب اللبنانية – الإسرائيلية صيف العام الماضي.
ولأن الرياض تتعامل مع سوريا وإيران كمكونين رئيسين لـ"محور الشر"، فإنها قررت على ما يبدو التعامل من دون وسطاء مع زعامة هذا المحور، وليس مع أطرافه، الأمر الذي يدفعها للتشاور مع إيران حول فلسطين ولبنان والعراق، تاركة مهمة وضع المسئولين السوريين في صورة نتائج هذه المشاورات للموفدين الإيرانيين وحدهم.

ويرتفع منسوب القلق السوري من التقارب السعودي – الإيراني، إثر "الفيتو" الذي وضع على إتمام "اتفاق مكة" في دمشق، وإثر القبول الإيراني بالمبادرة السعودية لحل الأزمة اللبنانية، تلك المبادرة التي تحفظت دمشق عليها بصورة علنية وواضحة، خصوصا البند المتعلق منها بالمحكمة ذات الطابع الدولي المنوط بها التعامل مع قتلة الحريري والمتورطين في جرائم الاغتيال والتفجير التي أعقبت جريمة الرابع عشر من شباط 2005.

بين دمشق وإيران خلاف واضح كذلك حول كيفية التعامل مع ملفات الأزمة العراقية الشائكة، فاستقبال دمشق لحارث الضاري وقادة بعثيين سابقين وحاليين، لا يطرب إيران أبدا، فيما الرسائل والإيماءات المتبادلة بين بعض "وكلاء واشنطن العرب والغربيين" وإيران، تشعر سوريا بأنها قد تظل وحيدة في مواجهة الولايات المتحدة ومعسكر الاعتدال ومعظم أوروبا ولجنة براميرتس.

لكل هذه الأسباب، تبدو القمة الحالية في طهران مختلفة عن سابقاتها، فالمتوقع أن تطغى عليها عبارات العتب والنقد الضمني وسبر أغوار النوايا الدفينة ومحاولات تجديد عرى التحالف القديم، فيما تشير معظم المؤشرات إلى صعوبة تحقيق هذه الغاية.
قلنا من قبل، أن كل باب يغلق في وجه حماس في عمان والقاهرة والرياض، ستفتح مقابله عدة أبواب في دمشق وطهران، واليوم نقول، أن استمرار إغلاق الأبواب العربية في وجه سوريا، سيبقيها لقمة صائغة للنفوذ الإيراني، فهل يفكر الفكر في طريقة ما لاحتواء سوريا، وهل تبدو سوريا جاهزة للوفاء باستحقاقات العودة إلى الحظيرة العربية؟
أسئلة وتساؤلات برسم قمة الرياض العربية القادمة.