النهار / سركيس نعوم

بعد مدة غير قصيرة من الصبر والصمت وانتظار التسويات، وإن الموقتة، للازمة الكبيرة التي تكاد تخنق لبنان، بدأ رئيس مجلس النواب ورئيس حركة "امل" واحد ابرز اقطاب "المعارضة الوطنية" والمحور الشيعي الاساسي جدا فيها نبيه بري يلوح بالتصعيد. قبل ثلاثة ايام قال للزميلة "الشرق الاوسط" ما معناه انه هو الذي كان "يفرمل" اتجاه اطراف المعارضة نحو التصعيد وانه سيقلع عن هذا الامر اذا لم تسفر المشاورات الجارية بين الداخل على تناقضه والخارج على تناقضه عن حل او على الاقل عن تسوية. وكشف ان الخطوة التصعيدية للمعارضة ستكون اعلان العصيان المدني. وقبل يومين هدد الرئيس بري امام زوار له في منزله بعقد مؤتمر صحافي يكشف فيه كل الحقائق ويظهر فيه كل المراحل التي جرت فيها المشاورات حتى الآن ويحدد فيه الاطراف الذين يعتقد انهم بعدم تجاوبهم أو بتجاوبهم غير الكافي اوصلوها الى الاخفاق. طبعاً قد يستنتج بعض المتابعين من التصريحات الاخيرة للرئيس بري انه سيكون حياديا اثناء مؤتمره الصحافي بحيث لا يقصر مسؤولية الفشل على الغالبية النيابية والحكومية. اولا، لان المسؤولية يتحملها الجميع بنسب متفاوتة او متساوية. وثانياً، لان رئيس المجلس يحرص على ابقاء نفسه وموقعه الحزبي والدستوري جسراً لتلاقي اطراف الازمة اللبنانية كلهم. لكن البعض الآخر من المتابعين انفسهم لا يعتقد ان رئيس المجلس يتمتع بحرية حركة واسعة في الداخل ومع الخارج الحليف تتيح له ان يكون عادلا في توزيع المسؤوليات.
هل الحرص على لبنان وامنه واستقراره هو الذي دفع بري الى الخروج عن صمته في هذه المرحلة بعدما اعتصم به فترة لا بأس بطولها؟
لا يشك عارفو رئيس مجلس النواب في حرصه هذا مع اقتناعهم بوجود حرص مماثل لجهات اخرى في المعارضة والموالاة، ولكنهم يعتقدون ان وراء خروجه عن الصمت الذي يبدو انه سيزداد، امراً آخر هو انه ومجلس النواب الذي يترأس سيكونان في الاسابيع المقبلة محور النشاط السياسي في الداخل بما يحفل به من تجاذب وصراع. ففي الفترة الماضية - ابان احتدام الصراع حول المحكمة ذات الطابع الدولي وقضايا اخرى، لم يكن المجلس المذكور في حال انعقاد. ورغم ان الغالبية طلبت من بري خطياً العمل لفتح دورة استثنائية للمجلس كي يقوم بدوره في معالجة القضايا المذكورة فلم يستجب طلبها، اولاً بسبب موقفه السياسي المعارض، وثانيا لمعرفته بان صاحب التوقيع الاول على مرسوم فتح دورة كهذه لن يضع توقيعه على مرسوم كهذا لاعتبارات معروفة -فإن المعارضة لم ترد تحميله مسؤولية التقاعس في هذا الموضوع. كما انه (اي بري) لم يعتبر نفسه ملوماً من الغالبية بسبب عدم تجاوبه. اما الآن وتحديدا منذ منتصف آذار المقبل فان مجلس النواب ورئيسه سيصبحان في "عين" الصراع السياسي المحتدم. ذلك ان المجلس سيكون في دور انعقاد عادي بدءا من هذا التاريخ. وهذا ما تنتظره الغالبية النيابية بكل اطرافها بغية محاولة اقرار امور كثيرة جمّدتها الصراعات وكذلك تجميد المجلس او ربما "خطفه"، كما قال احد الموالين قبل اسابيع. وطبيعي ان يصيب ذلك بالحرج المعارضة النيابية كونها اقلية والرئيس بري الذي لا بد ان يجد نفسه بين موقفين صعبين. الاول، التصرف من موقعه الدستوري كزعيم معارض او بالاحرى كركن بارز في المعارضة الامر الذي سيعطل المجلس ومعه مشروعات الغالبية. والثاني، أن يتصرف كرئيس لهذا الموقع الدستوري الامر الذي قد يسمح للغالبية بتحقيق بعض النجاحات او ربما بتسجيل بعض النقاط.
انطلاقاً من ذلك كله يعتقد كثيرون من اللبنانيين ان رئيس مجلس النواب يرى "كرة النار" تتوجه، اليه ولذلك فانه يحاول بخروجه عن الصمت وضع الموالاة والمعارضة امام مسؤولياتهما بحيث تصل هذه الكرة الى يديه هامدة بعد اسابيع. لكنه في الوقت نفسه قد يكون يهيىء من خلال تصعيده الاخير الاصطدام بالغالبية الامر الذي قد يتيح له ومن موقعه المعارض عرقلة انعقاد مجلس النواب في دورته العادية المقبلة. وعرقلة كهذه لا بد ان تغضب الغالبية وجمهورها وحلفاءها في الخارج، لكنها لا بد ان تريح المعارضة وجمهورها وحلفاءها في الخارج. وطبيعي ان يختار الرئيس بري واي شخص آخر في موقعه اراحة الفريق الذي ينتمي اليه محلياً واقليمياً لان أي اختيار للفريق الآخر يكون انتحاراً. كما ان الحياد قد يكون بدوره انتحارا. الا ان السؤال الذي يطرح في هذا المجال، في حال صح هذا النوع من التحليلات هو: كيف يستطيع بري عدم دعوة المجلس الى الانعقاد؟ والجواب الوحيد عن ذلك قد يكون غيابه عن البلاد او لا سمح الله الف مرة عجزه عن ممارسة مهماته. وجواب كهذا يثير سؤالا آخر هو: كيف تتجاوز الغالبية موقفاً سلبياً مفترضاً من بري حيال انعقاد المجلس؟ الجواب الذي تتداوله الغالبية منذ مدة هو قيام نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بتوجيه الدعوة الى انعقاد المجلس. ولكن هل تكون هذه الدعوة دستورية؟
في اي حال تأتي الدورة العادية للمجلس قبل مؤتمر القمة العربي المقرر في الرياض باسابيع وفي خضم المشاورات الجارية لانجاحه وذلك بحل الخلافات العربية – العربية ولا سيما السورية – السعودية قبل انعقاده، وايضاً في ذروة التشاور السعودي – الايراني حول لبنان وغيره من القضايا. وفي ظروف كهذه يفترض كثيرون ان المعارضة ستفعل كل ما في وسعها للحؤول دون نجاح الغالبية في تسجيل نقاط مهمة في مرماها، وان الغالبية ستسعى بدورها الى تعزيز وضعها. وذلك كله يعني ان التصعيد السياسي قد يكون سمة الاسابيع المقبلة. اما بعد القمة العربية فلا مجال الا لامر من اثنين، اما التسوية الدائمة او الموقتة او تصعيد الصراع وربما انفجاره.