قياس العلاقة السورية – الإيرانية، حتى بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران، تتم على حساب مساحة الخلاف أو التوافق، لرسم أبعاد الأدوار الإقليمية للبلدين وتأثيراتها على طبيعة الأحداث والإزمات. وإذا كانت الأدوار الإقليمية موضوع حساس في قراءة العلاقات بين الدول، فإنه في الموضوع الإيراني السوري يتخذ شكلا آخر، فالبحث في هذه المسألة يقوم أساسا على توقع "الخسارة" أو اعتبار أن العلاقة بين البلدين تتم خارج إطار مفهوم "الدولة" ومصالحها..

عمليا فإن غاية أي قياس يجري حاليا للعلاقات السورية – الإيرانية يحكم مسار قراءة هذا الموضوع، فجرد الخلافات يتم للتعبير عن "انتهاء حلف" أو حتى "انتصار محور"، أو حتى افتراض وجود استراتيجيات متصارعة داخل هذه العلاقة، التي تخضع حسب غاياتها لتصنيف "محور الشر" أو "الدول الفاشلة" حسب تعبير رايس. فالمسألة لا تدخل ضمن طبيعة العلاقات الإقليمية التي يشكلها الصراع القائم اليوم، وعلى الأخص في العراق، أو ما يستتبع هذا الصراع من "اختبار" للاستراتيجيات، سواء من قبل الولايات المتحدة أو حتى من قبل موسكو أو الدول الأوروبية، فالصراع المركب يتم اختصاره بشكل سريع وفق حالات التوافق والاتفاق، أو إيجاد "قياس كمي" للأدوار الإقليمية التي تلعبها كل من طهران ودمشق.

لا شك أن معظم التحليلات السياسية المستمرة في الظهور حول (دمشق – طهران) تعتبر أن هناك الكثير من الاختبارات التي عاشتها هذه العلاقة، لكن الوضع الإقليمي أعمق من توقع الخلافات، أو تقديم بيانات حول "تعارض" المصالح، وذلك ضمن افتراض بأن هذه العلاقة ليست بين "دول" لها هويتها ومصالحها، ومن الممكن أن تدخل في مسائل خلافية أو تتفق على سياسات وربما استراتيجيات.

في مسألة العلاقات السورية – الإيرانية يتم استخدام قياس صارم آخر، يعتبر نموذج العلاقات في المنطقة يسير في اتجاه واحد، حيث يعبر أي خلاف عن تناقض صارخ، وهذا النموذج ظهر في مراحل "الاستقطاب الحاد" خلال الحرب الباردة... وهو ايضا شكل المحاور في أوروبا، لكنه في النهاية عبر عن حالات استثنائية لـ"دول" كان الهاجس الأمني للاتحاد السوفيتي السابق يؤثر حتى في رسم سيادتها أو تعبيرها عن مواطنيها.

إلا أن الاستثناء يأخذ بعدا يقينيا داخل التحليلات اليوم لتصبح العلاقات في المنطقة عموما، ومنها العلاقات السورية – الإيرانية، خاضعة لهذا الاتجاه الأحادي في اعتبار ان الدول لا تملك تعبيراتها السياسية الخاصة، وأن التباينات في الأساليب السياسية يجعلها تدخل في نفي بعضها.

العلاقات التي يقرؤوها البعض على أنها تسبح في فضاء مجهول هي علاقات بين دول وليست بين أفخاذ وعشائر، وفي هذا الشكل فإن الذي يحكمها مصالح وحالات تفاعلية أكثر من مشاعر البغض والحب التي نحاول أن نعطيها تعابير سياسية عندما نضعها في تحليلاتنا.