النهار / رنده حيدر

شكلت التصريحات الاسرائيلية المشككة باتفاق مكة الذي جرى التوصل اليه بين حركتي"فتح" وحماس" بوساطة حثيثة من المملكة العربية السعودية فرصة للتعرف عن كثب الى الموقف الاسرائيلي من الدور السعودي في المنطقة الذي شهد في اعقاب الحرب الاسرائيلية الثانية على لبنان صعوداً كبيراً.
من اهم الدروس التي استخلصها الاسرائيليون بعد حرب تموز على لبنان ضرورة خلق محور إقليمي يقوم على التحالف مع الدول العربية "المعتدلة" في المنطقة من اجل مواجهة صعود النفوذ الايراني الذي لا يهدد اسرائيل وحدها وانما سائر دول المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية بصورة خاصة نظرا الى المكانة التي تحتلها المملكة بصفتها تمثل زعامة الاسلام السني في المنطقة المهدد من جانب تعاظم التأثير الشيعي. وقد كان للموقف السعودي النقدي من عملية خطف الجنود الاسرائيليين، التي قام بها الحزب في تموز وشكلت ذريعة للعدوان الاسرائيلي على لبنان، انعكاساته ليس فقط على ما يجري في لبنان وانما ايضاً على اسرائيل التي اعتبرت الموقف السعودي معبّرا عن توجه عربي عقلاني من شأنه ان يساعد في لجم التطرف الذي تقوده طهران في رعايتها للتنظيمات الاسلامية الاصولية في لبنان والاراضي المحتلة.
لكن دعوة السعودية رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل للمشاركة في اجتماعات مكة الى جانب رئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بدد الانطباعات الاسرائيلية السابقة واثار عدم ارتياح داخل اسرائيل حاولت الجهات الرسمية طمسه. لذلك العودة السعودية الى ساحة النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي بعدما كانت الوساطات العربية مقتصرة في السابق على مصر والاردن، اثارت هذه المرة القلق في اسرائيل عوض ان تبعث على الارتياح. واسباب ذلك كثيرة منها ان استقبال العاهل السعودي زعماء "حماس" أنهى المقاطعة العربية للحركة والتي أتت بطلب من الولايات المتحدة بهدف الضغط عليها للإعتراف باسرائيل وبالاتفاقات المعقودة معها.
من ناحية اخرى رأى عدد من الاسرائيليين ان الانفتاح السعودي على "حماس" سيسمح بزيادة الضغوط على اسرائيل لتقديم تنازلات الى محمود عباس من اجل التوصل الى تسوية دائمة للنزاع في وقت يبدو واضحاً ان اسرائيل ليست الآن في وارد البحث عن أي حل دائم، بعد تخلي حكومتها عن خطط الانسحابات الأحادية، وعدم تبنيها رؤية سياسية جديدة غير التمسك بمبادىء اللجنة الرباعية التي اعادت زيارة وزيرة الخارجية الاميركية احياءها من جديد في القمة الثلاثية التي عقدتها هذا الاسبوع مع أولمرت وعباس.
ورغم الايجابيات التي تضمنها اتفاق مكة وعلى رأسها وقف الحرب الأهلية الفلسطينية ووقف الانهيار الكامل للمجتمع الفلسطيني الذي لا يمكن الا ان يرتد سلبا حتى على اسرائيل، فإن مجيء هذا الاتفاق اتى ثمرة تفاهم سعودي - ايراني أثار شكوكاً اسرائيلية، لاسيما وانه أتى وسط حملة ديبلوماسية واسعة النطاق تقوم بها اسرائيل في العالم لجمع التأييد الدولي المطلوب لعزل ايران ومعاقبتها ومنعها من الحصول على السلاح النووي بأي ثمن وللتهويل بالخطر الايراني الذي يتهدد دول العالم الحر بأسره.
ليس من السهل على اسرائيل التعامل مع الدور السعودي الجديد في المنطقة.
فالسعودية كما يصفها احد المعلقين الاسرائيليين "دولة المتناقضات" التي تجمع بين تطبيق الشريعة الاسلامية والمذهب الوهابي المتشدد في الاسلام في سياستها الداخلية وسياسة خارجية براغماتية منفتحة على الغرب وعلى الولايات المتحدة بصورة خاصة. ولقد التزمت عبر التاريخ سياسة لم تتغير من القضية الفلسطينية، فهي اذا كانت مستعدة للإعتراف باسرائيل، فإنها في المقابل لم تتنازل يوماً عن مبدأ انسحابها من جميع الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967 ولا عن مبدأ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم. وكل هذا أمور ترفضها اسرائيل ولا تريد بحثها في الوقت الراهن.