النهار / سركيس نعوم

أثارت الخلافات التي حصلت، ولا تزال تحصل، بين عدد من اهالي القرى والبلدات الجنوبية وبعض وحدات القوة الدولية المعززة، تساؤلات كثيرة عند اللبنانيين الذين اعتبروا هذه القوة والقرار الدولي 1701 الذي يرعى وجودها وعملها في الجنوب احد ابرز عوامل الاستقرار في لبنان. ومن ابرز التساؤلات: هل غيّر "حزب الله" صاحب التمثيل الاوسع في الطائفة الشيعية وحليفته حركة "امل" التي تشاركه في هذا التمثيل موقفهما من القرار الدولي المذكور؟ علماً ان هذا الموقف كان ايجابياً وقد عبّر عنه في وضوح وزراء الحزب في الحكومة اثناء مناقشته في مجلس الامن، وبعد اقراره. وهل صار يعتبر الوجود الدولي في الجنوب عائقاً امام متابعته المقاومة، سواء لاسترجاع مزارع شبعا التي لا تزال محتلة والاسرى الذين لا يزالون محتجزين لدى اسرائيل، او لمساندة حلفائه الاقليميين عبر لبنان وهم الذين يخوضون مواجهة شرسة مع اسرائيل واميركا لا يبدو ان انتهاءها قريب؟ وهل يخشى الحزب ان تنشأ علاقة ود واحترام وصداقة بين جمهوره والقوة الدولية يمكن ان تؤثر لاحقاً على انتمائه اليه او على عمق صلته به؟ وهل يخاف ان تحاول الدول المشاركة في القوة الدولية، ومعظمها حليف لاميركا في شكل او في آخر تطبيق سياسة تؤدي في النهاية الى تقليص دائرة نفوذه وربما الى انهاء دوره اللبناني والاقليمي تدريجا؟ وهل تتطور المناكفات المشار اليها اعلاه الى صراعات علنية اولا بين "الاهالي" في الجنوب والهيئات المحلية التي تمثلهم من بلدية واختيارية، وتالياً مقاتلي الحزب والقوة الدولية؟ وهل يرغب الحزب في استعادة حرية الحركة المقاومة ضد اسرائيل في الجنوب بعدما قيدتها كثيرا القوة الدولية تنفيذا للقرار الدولي 1701؟
هل من أجوبة واضحة عن هذه التساؤلات وعن اخرى كثيرة غيرها؟
وهل الخوف والقلق اللذان تتضمنهما في محلهما؟
تقول جهات قريبة من المنظمة الدولية، ردا على كل ذلك، ان القوة الدولية لم تواجه تعثراً مهماً اثناء قيامها بمهماتها في الجنوب في الاشهر الستة الماضية، وتحديدا منذ صدور القرار 1701 والبدء في تنفيذه. وتقول ايضاً ان بعض المناكفات بين أهالي عدد من القرى والقوة الدولية لا يعود الى سوء تصرف من الاخيرة او الى نيات سيئة مسبقة من الاهالي. بل ربما يعود الى "نقزة" هؤلاء الاهالي ومن ورائهم "حزب الله" من مواقف معينة حيال لبنان او حيال جهات سياسية فيه لدول معينة مشاركة في القوة الدولية او بالاحرى الى اختلاف واسع في النظر الى مشكلات لبنان والحلول الضرورية لها بين الحزب وهذه الدول. وتقول ثالثاً، ان "حزب الله" يحرص على ابقاء التعبئة الايديولوجية قائمة في اوساط مناصريه، وعلى تلافي نشوء علاقة بين هؤلاء والقوة الدولية قد تكون على حساب علاقتهم به. وتقول رابعاً ان قيادات "حزب الله" كلها، ربما باستثناء بعض الكلام العلني لنائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، اكدت اكثر من مرة سواء في الاعلام او في الاجتماعات مع المسؤولين في المنظمة الدولية احترامها لدور القوة الدولية واستمرار التزامها القرار 1701 وحرصها على عدم تعكير العلاقة القائمة بين هذه القوة والمواطنين.
كل ذلك، تضيف الجهات القريبة من المنظمة الدولية، يجعل الاخيرة ومعها القوة الدولية مطمئنتين الى سلامة وضعهما في لبنان وتحديدا جنوبه وتاليا الى عدم وجود أخطار جدية وفعلية على الاقل في المستقبل المنظور. لكن هذا الاطمئنان ليس نهائياً، في رأيها، لان الاوضاع في لبنان بالغة التعقيد والخطورة. فعلى الصعيد الداخلي بات "حزب الله" قائدا للطائفة التي ينتمي اليها بل للمعارضة الاوسع من الطائفة التي يقود في مواجهة شرسة مع فريق لبناني واسع بدوره. وكادت هذه المواجهة السياسية ان تجر لبنان الى فوضى او الى فتنة وربما الى حرب مذهبية وطائفية لولا عودة الفريقين الى التحلي ببعض الحكمة وتدخل الخارج المتنوع والمتناقض.
لكن لا شيء يمنع، في ظل انسداد الافق على الاقل حتى الآن امام الحلول السياسية او التسويات للازمة الراهنة وكذلك امام الحلول او التسويات للمواجهة الاقليمية – الدولية الجاري بعضها على ساحة لبنان وباللبنانيين، ان ينزلق لبنان الى الحرب او الفتنة او الانفجار. اما على الصعيد الاقليمي – الدولي فان المواجهة بين اميركا والجمهورية الاسلامية الايرانية تكاد تقترب من احدى نهايتين. الاولى التفاهم على تسوية تأخذ في الاعتبار مصالح الدولتين وحلفاء كل منهما. والثانية تحول المواجهة صداماً عسكرياً مباشراً قد يتخذ شكل شن اميركا حرباً جوية وصاروخية مدمرة على البنى التحتية لايران من نووية وعسكرية واقتصادية ومواصلات وما الى ذلك، وشكل رد ايران على ذلك باعمال حربية ضد اميركا في الخليج وحلفائها فيه وكذلك ضد اسرائيل.
وفي وضعين بالغي الخطورة كالمشار اليهما اعلاه لا يمكن ان يبقى لبنان، وخصوصا جنوبه بكل ما فيه من قوة دولية وقوات تابعة لـ"حزب الله"، في منأى عن تطورهما سلباً. وهذا يعني، في رأي الجهات القريبة من المنظمة الدولية نفسها، ان الانفجار الاقليمي او الداخلي او الاثنين معاً لا بد ان يفجرا الوضع في الجنوب ويضعا القوة الدولية والمقاومة وكل لبنان أمام وضع بالغ الصعوبة.
هل يمكن ان تتوسع مهمات القوة الدولية بحيث تشمل المناطق الحدودية اللبنانية مع سوريا ولاسيما في ظل شكوى جهات لبنانية واخرى اقليمية وثالثة دولية من استعمال افرقاء اقليميين هذه المناطق لتهريب اسلحة وذخائر لـ"حزب الله" ولحلفاء له موالين لسوريا الامر الذي لا بد ان يؤثر سلباً على تنفيذ القرار 1701 وعلى نجاح القوة الدولية في تنفيذ مهماتها؟
الجهات القريبة من المنظمة الدولية تستبعد ذلك وتقول ان الامر الوحيد الذي تستطيع القوة الدولية القيام به لمنع تهريب السلاح والذخائر والرجال عبر الحدود السورية – اللبنانية، هو تقديم المساعدة التقنية اللازمة والخبرة الضرورية للدولة اللبنانية بغية ضبط الحدود ومعابرها. وهذا ما تقوم به الآن وستستمر في القيام به. لكنها تستدرك بالقول ان ذلك قد يحد من التهريب لكنه لا يقضي عليه نهائياً.