ما المبادرات الأمريكية وتقاريرها التي كتبت عن واقع البلدان العربية بعد هجوم9/ 11/2001؟ وما التغيرات وما التحديث المطلوب منها؟ ماذا تريد الولايات المتحدة وأوروبا من الدول الإسلامية؟ ولماذا تتهم الولايات المتحدة وأوروبا البلدان الإسلامية بالاستبداد، والفساد، وانعدام الحريات، ونمو الأصوليات، والفقر، وتدهور التعليم، وتأخر الصحة؟ ومم استمدت مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية تقاريرها عن المنطقة؟ ما مضامين هذه التقارير؟ وهل بقيت التقارير مطوية أم إنها وضعت موضع التنفيذ، وأصبحنا نعيشها اليوم؟ إنها بعض الأسئلة التي يعالجها كتاب العالم الإسلامي وتحديات 11 شتنبر 2001، حول واقع المسلمين والمشروع الأميركي الأوروبي المطروح للتحديث والاندماج في النظام العالمي الجديد
وقد ألف الكتاب الباحث محمد بشاري، رئيس الفيدرالية العام لمسلمي فرنسا

وجاء الكتاب موزعا على خمسة فصول، وهي تحدي التجديد الديني، وتحدي الإصلاح السياسي، والتحدي الاقتصادي والتحدي المزدوج الخاص بالأقليات الإسلامية، إضافة إلى فصل أخير يتعرض للبدائل، وجاء تحت عنوان التصدي لتحديات الحاضر والمستقبل : إرادة وعمل ومنهج

فبالنسبة للفصل الأول الخاص بتحدي التجديد الديني، فقد لاحظ الكاتب استنادا إلى اجتهادات المفكر المغربي محمد عابد الجابري أن التجديد في الدين يتطلب أساسا ـ عندما يتعلق الأمر بالإسلام ـ تجديد الفهم للقرآن
ومنذ القديم ميز علماء الدين في الإسلام بين الأحكام ومكارم الأخلاق
أما الأحكام التي تشرع للعبادات والمعاملات وما يتصل بها من عقاب وثواب

إلخ، فهي لا تشكل إلا نسبة صغيرة من عدد آيات الذكر الحكيم
أما الباقي فكله في الأوامر والنواهي الأخلاقية أو تدور حولها

كما توقف الكاتب عند إشكالية تعدد الخطابات الدينية التي تتحدث وتطالب بالتجديد، والتي تتفرق على خطابات تتبناها المؤسسة الدينية الرسمية، وخطابات تنتجها الجماعات الإسلامية وخطابات دينية خاصة بالأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية
متسائلا عند طبيعة التجديد الديني الذي نحتاج إليه أكثر، فهل على سبيل المثال، نتبنى خطة التجديد المؤسساتي الذي تسهر عليه الدول العربية والإسلامية، أم نوفق بين هذا التجديد واجتهادات فقهاء ومرجعيات إسلامية لا تشتغل داخل هذه المؤسسات؟ وكيف نتعامل مع فوضى الفتاوى التي يعرفها العالم الإسلامي، كما يجري في العراق
ومن الأسئلة الضرورية التي لازالت معلقة كلما تعلق الأمر بموضوع التجديد الديني، نجد الأسئلة التالية : ـ كيف نتعامل مثلا مع الاستكشافات العلمية التي تتطلب آراء فقهية اجتهادية، منها عمليات الاستنساخ؟ ـ كيف نتعامل مع الاختلافات القائمة حول الموقف الشرعي من الفوائد البنكية؟ ـ كيف نتعامل مع النوازل الفقهية الخاصة بالأقليات الإسلامية في الغرب؟ ـ كيف نستوعب أن يكون هناك فارق بين أن نعرض أحكام الإسلام بشكل موضوعي محايد، وبين أن يكون التحليل تعبويا يدفع الناس إلى اتخاذ مواقف بعينها ويرفض مواقف أخرى هي بين القضايا الخلافية في الإسلام؟ ـ كيف نتعامل مع فوضى الفتاوى التي يعرفها العالم الإسلامي؟ بالنسبة إلى الفصل الثاني حول تحدي الإصلاح السياسي، فقد ربطه الكاتب بنتائج تفجيرات 11 شتنبر 2001، والتي تقف وراء إحداث تحولات استراتيجية في السياسات الخارجية العالمية ومنها السياسة الخارجية الأميركية
حيث دعمت خطى الولايات المتحدة الساعية إلى الهيمنة على العالم، بل وأدت إلى بعث التطرف اليميني للحزب الجمهوري بقيادة صقور الإدارة الأميركية، تحت ما بات يعرف بـ حزب الإمبراطورية الأميركية

وفي المقابل، فرضت هذه الأوضاع على صناع القرار في الدول العربية والإسلامية تحديات مصاحبة كالحديث عن الإصلاح أو استيراد الديموقراطية عبر الدبابة الأميركية، كما حصل مع النموذج العراقي
وساهمت هذه الأحداث في ظهور مجموعة من المعلقين على القضايا الإسلامية على نحو مفاجئ في جميع وسائل الإعلام، وكان أكثر ما قالوه عنصريا ومتحاملا من الناحية الدينية، وكان تحاملهم عدوانيا متخفيا في هيئة التعليق الجاد، ودار حديث صريح عن غزو الولايات المتحدة لدول إسلامية بعد أفغانستان، مثل العراق وسوريا وإيران وليبيا، وحتى السعودية، ونوقشت الفكرة والبلدان أيضا في وسائل الإعلام
بدأت الحرب غير محددة في أهدافها أو نهايتها، وأوحت بشرور لا يمكن قياسها، ونتائج لا يمكن التنبؤ بها، وكانت حربا غير متوازنة بين طرفين، أحدهما متفوق في التصنيع ويسيطر على العالم، والثاني لا يزال في مرحلة ما قبل التصنيع، يتكلم بلغات مختلفة، ويعيش ثقافات مختلفة
بل إن الأمور وصلت عند الطرف العربي، إلى درجة التسليم بأن هناك تسليما بأن هناك قواسم مشتركة في النظم الديمقراطية المختلفة ينبغي الاعتراف بها وتطبيقها
وأهم هذه القواسم هي مبدأ تداول السلطة، والقيام بانتخابات دورية نزيهة وشفافة على مستوى رؤساء الجمهورية والمجالس النيابية بكل أنواعها، والمجالس المحلية
ومن قيم الديمقراطية الأساسية احترام الأديان، واحترام حرية التعبير، وحرية الرأي، وحرية التنظيم، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان

وهكذا فليس هناك مجال لقبول حجج الحكومات العربية التي تريد المراوغة في مجال تطبيق الإصلاح السياسي

وبالنسبة إلى مبادرات الإصلاح، فقد عالج الكتاب وتوقف عند أهداف المبادرة الدنماركية والمبادرة الألمانية والمبادرة الأوروبية والمبادرات الأميركية، والتي تتوزع بدورها على مشروع الشرق الأوسط الكبير ويضم إلى جانب الدول العربية كلا من إسرائيل وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان ومبادرة »منتدى المستقبل«، والتي طالبت بتخصيص 25 مليون دولار لبرنامج شامل يرمي إلى إصلاح المؤسسات الاقتصادية والتربوية والسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل مراجعة المناهج الدراسية، وتمويل الجمعيات غير الحكومية وتمويل الأحزاب التي ترفع شعارات التحديث السياسي إضافة إلى تمويل الصحافة الحرة والمستقلة التي تفضح الفساد الإداري وتدافع عن حقوق الإنسان
وقد لاحظ محمد بشاري أن هذه المشاريع يجب أن تقرأ في علاقتها بمصالح الإدارة الأميركية واستراتيجيتها الجديدة في بسط نفوذها على العالم، وهو أمر يتطلب منها فرض هيمنتها على المنطقة العربية بشكل يختلف عن الشكل السابق
ولإنجاز هذه المهمة، فانه يتعين على الولايات المتحدة الأميركية ألا تضعف تجاه العالم الإسلامي، وبالنسبة إلى المنطقة العربية فقد تحدث وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول أثناء الاستعداد لغزو العراق عن ضرورة إعادة ترتيبها سياسيا أي إعادة صياغتها على النحو الذي تريده أميركا

وخصص الفصل الثالث لتحدي التنمية الاقتصادية، حيث حدد ثلاث مفاتيح رئيسية، وهي التنمية والعولمة ومشروع الشرق الأوسط الكبير
وخصص الفصل الرابع للتحدي الخاص بالأقليات الإسلامية، وقد وصفه بأنه تحدي مزدوج، فإذا كانت جميع التحديات السابقة خاصة بالعالم الإسلامي، فإن جسامة المسؤولية الملقاة على الأقليات الإسلامية في الدول غير المسلمة، تبقى كبيرة، لأن هذه الأقليات معنية بمجمل التحديات الدينية والمذهبية قبل التحديات السياسية والاقتصادية التي تتعلق بالعالم الإسلامي، إضافة إلى تحديات ذاتية مرتبطة بواقعها في الدول الغربية

وأخيرا، خصص الفصل الأخير للتصدي إلى تحديات الحاضر والمستقبل، انطلاقا من شعار أن نكون أو لا نكون« والذي حسب الكاتب، يؤسس للأرضية التي سنواجه بها هذه التحديات

فما دمنا لا نعيش في زمن المعجزات، فإن المعجزة الحقيقية تكمن في مواجهة هذه التحديات، ولن يتحقق ذلك إذا لم تكن لدينا إرادة حقيقية للتغيير والتصدي لهذه التحديات
كما انتقد التوقف عند مرحلة التوصيات الختامية التي تتميز بها اللقاءات والندوات في مختلف الدول الإسلامية حول موضوع التحديات
ومن أجل تجاوز هذه المرتبة، فلا بد، حسب الكاتب من تحصيل الإرادة الحقيقية والعمل الصادق في التغيير، حتى نكون في مستوى التحديات الكبرى التي تواجهنا، ويمكن إدراج مختلف التحديات التي تحدثنا عنها في هذا الكتاب
جدير بالذكر أن الكتاب صدر عن دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 2006