في اللقاء الذي ضمّ كوندوليزا رايس وايهود اولمرت ومحمود عباس اخيراً، انفجر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” في وجه الرئيس الفلسطيني قائلاً: “أنت خنتني بتوصلك الى اتفاق مع “حماس”! عباس همّ بمغادرة الاجتماع غاضباً لولا ان وزيرة الخارجية الأمريكية أعادته إليه، فما كان منه إلاّ ان ردّ على اولمرت قائلاً :

“أنت لم تعطني شيئاً ولم تحافظ على تعهداتك”!

الحقيقة ان كلا الرجلين على حق. عباس “خان” اولمرت بعد ان كان وعده، على ما يبدو، بعدم التعاون مع “حماس” إلا بعد تسليمها باتفاقات اوسلو وبالتالي اعترافها ب “إسرائيل”. وأولمرت “خان” عباس اذْ نكث بوعده له بالإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة لديه، فكان ان عيّره الرئيس الفلسطيني قائلاً : “أنت لم تُعِد إلينا حتى أموالنا التي تحتجزها”!

أكثر من ذلك، عباس اتهم اولمرت ب “محاولة جرّ الفلسطينيين إلى حرب أهلية”. رئيس الوزراء “الإسرائيلي” لم ينفِ التهمة، حسب رواية مصادر فلسطينية وأردنية و”إسرائيلية” لما حدث في الاجتماع الثلاثي الذي كان “صعباً ومتوترا”. بالعكس، عاود اولمرت هجومه بأن طالب عباس بعدم مشاركة “فتح” في الحكومة التي يحاول إسماعيل هنية تأليفها.

ماذا يمكن استنتاجه من هذه المشادة الفريدة؟ الجواب: ثلاثة أمور.

أولها ان الإعتراف ب “إسرائيل” شرطٌ لقبولها بإجراء مباحثاتٍ مع مسؤولين فلسطينيين على أن تبقى مشروطة بعدم تقديم أي مقابل مسبق لهم!

ثانيها ان أمريكا موافقة على هذا الموقف “الإسرائيلي” بدليل انها أرجأت، بلسان كوندوليزا، بيان موقفها من إتفاق مكة المكرمة لحين فراغ هنية من تأليف حكومته.

ثالثها، ان لا جدوى من “خريطة الطريق” ووعد الرئيس بوش بإقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة الصهيونية لأنه ترك الأمر كله بيد حكومة “إسرائيل”. لذلك تتصرف “إسرائيل” على أساس ان الاعتراف بها شرط صارم للتحدث مع الفلسطينيين من دون أي التزام مسبق تجاههم بتقديم أي مقابل سياسي أو مادي!

غضبة اولمرت على عباس تحاكي استياء بوش من الملك عبد الله بن عبد العزيز. فالرئيس الأمريكي مستاء من العاهل السعودي الذي نجح في مصالحة “فتح” و”حماس”، إذْ المطلوب التفريق بين الفلسطينيين لا التوفيق بينهم، فهل من جوابٍ أرصن وأفعل على بوش وسائر أعضاء اللجنة الرباعية الدولية التي مددت اخيراً الحصار على الشعب الفلسطيني غير تنفيذ قرار جامعة الدول العربية برفع الحصار الظالم؟

سلبية السياسة الأمريكية تتكرر اليوم من خلال موقفها العدائي من مساعي السعودية للتوفيق بين الفريقين الموالي والمعارض في لبنان. فقد تمكن العاهل السعودي مرتين من توفير صيغة عملية للتوفيق بينهما، لكن الست كوندوليزا تدخلت مرةً باسم بوش مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومرةً أخرى مع زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري من اجل تفشيل المساعي السعودية الحميدة.

هنا ينهض سؤال: ترى، لماذا لا يخون السنيورة بوش كما خان عباس اولمرت؟

من الواضح ان قادة “فتح”، وفي مقدمهم ابو مازن، اختبروا “إسرائيل” ومدى صدقيتها في تنفيذ التزاماتها طوال سنوات، فخرجوا باقتناع متين مفاده أنها تحترف النكث بالوعود والعهود، فلا عجب إن خانت وعودها وعهودها لعباس وإخوانه.

ترى، هل يعتقد السنيورة حقاً بأن الأمريكيين لا يخونون وعودهم وعهودهم مع اللبنانيين حتى يحرص كل هذا الحرص على الامتثال لتوجيهات بوش؟

هل الرئيس الأمريكي احرص على مصالح لبنان واللبنانيين من العاهل السعودي؟

لينظر السنيورة إلى تجارب الآخرين مع أمريكا وقادتها والى ما انتهت إليه، بل إلى ما انتهى إليه أولئك الذين صدقوها او حالفوها او تعاملوا معها. ليسأل أبناء شاه إيران وأبناء أنور السادات، وليتذكر مصير رؤساء فيتنام الجنوبية وبناما وهايتي وأوغندا ونيجيرها وغيرهم.

لقد بات واضحاً الآن ان ثمة امتعاضا أمريكيا من الملك عبدالله لأنه سعى مع إيران إلى التوفيق بين الأطراف اللبنانيين المتنازعين. ويبدو ان الامتعاض الأمريكي من العاهل السعودي سيزداد إذا ما استجاب مسعى الإيرانيين لإزالة الجفوة القائمة بينه وبين الرئيس السوري. فالمطلوب أن يبقى العرب في حال فرقة ونزاع وان يتوقع قادتهم دائماً إنزال العقاب بهم إن هم حاولوا إزالة الشقاق وتوطيد الوفاق.

لا يجوز ان يتغاضى الرؤساء العرب عن استهتار أمريكا بأشخاصهم وبمصالح بلادهم من خلال إصرارها علنا ودونما هوادة على منع الوفاق فيما بينهم بل دعوتهم إلى تدويم الشقاق لا لسبب إلاّ لأن ذلك يخدم أغراض استراتيجيتها الشريرة ضد بعض دول المنطقة، بل ضد الإسلام والمسلمين. ولئن تهيّب بعض الرؤساء قرار الاستقلال عن سياسة أمريكا مخافة أن تُنزِل بهم عقابا، فإن من شأن اتخاذهم موقفاً جماعياً في هذا الخصوص أن يوفروا لأنفسهم حداً أدنى من حماية شخصية وسياسية يحتاجونها في هذه المرحلة العصيبة.

أما السنيورة فلعله يستخلص من تجارب الرؤساء الغابرين والحاليين، وفي مقدمهم الرئيس محمود عباس، الدروس والعِبَر اللازمة ويتعلم كيف “يخون” بوش مثلما تعلم الرئيس الفلسطيني كيف “يخون” اولمرت ليصون كرامته ويحافظ على حقوق شعبه وبلاده.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)