الاتحاد

بلير يترك بوش وحيداً في العراق... وعوائق يتعذر معها ضرب إيران

إلى أين من هنا... أوروبياً بعد قمة ميكل- شيراك، واستقالة حكومة "رومانو برودي"؟ وما الدلالة الحقيقية للانسحاب البريطاني من العراق؟ وفي النهاية... هل ستضرب حقاً إيران؟ أسئلة ثلاثة نجمع إجابات عليها من خلال قراءة سريعة في افتتاحيات بعض الصحف الفرنسية.

هموم أوروبية: خلفية اللقاء الذي جمع الرئيس جاك شيراك والمستشارة أنجيلا ميركل كان موضوع افتتاحيات كثيرة في الصحف الفرنسية. "فرانسوا بييتري" اعتبر في افتتاحية بـ"لاتريبين" أن الديباجتين الكبيرتين للقاء هما مسألة إعادة الحياة لمشروع الدستور الأوروبي المتعثر، وسياسة الطاقة الأوروبية. هذا إضافة إلى موضوعات طارئة خاصة بالعلاقات الثنائية كسوء التفاهم غير المُعلن بين باريس وبرلين حول طريقة إدارة شركة "إيرباص"، ورغبة شيراك في ألا تستغل ألمانيا فرصة انشغال فرنسا في صخب الانتخابات الرئاسية لتعظيم مكاسبها على حسابها، خاصة أن استمرار التفاهم والتنسيق العميق بين طرفي محور باريس- برلين هو الضمانة الوحيدة لاستقرار البيت الأوروبي نظراً إلى أهمية وأساسية دور الطرفين في البناء الأوروبي بشكل لا بديل عنه. أما الكاتب "جيل كلورت" فقد نشر في "نور أكلير" افتتاحية عن لقاء القمة نفسه، اعتبر فيها أن إنقاذ تجربة "إيرباص" وطريقة إدارتها موضوع يستحق من العاصمتين العمل سوياً والتنسيق دون أية نوايا غير حسنة. وفي سياق أوروبي متصل اكتسح استقالة حكومة "رومانو برودي" في إيطاليا افتتاحيات الصحف الفرنسية في أواخر هذا الأسبوع. وقد نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: "برودي يموت... يعيش برودي"، حللت فيها دلالات هذه الاستقالة وما يحتمل أن تتكشّف عنه من تحولات سياسية في شبه الجزيرة الإيطالية. وتذهب الصحيفة إلى أنه على رغم الإنجازات الاقتصادية المشهودة التي حققها "برودي" طيلة الستة أشهر من فترة حكمه المنتهية الآن، إلا أن تحالفه الهش الجامع لمتناقضات أحزاب "وسط اليسار"، سقط في النهاية بعد اصطدامه القوي بسياسته الخارجية، التي لا تخلو هي أيضاً من تناقضات. فالرجل الذي وفى بوعد الانسحاب من المستنقع العراقي ظل ملتزماً بقوة بدور بلاده في التدخل الأطلسي في أفغانستان، وهو ما كان في النهاية سبباً مباشراً لسقوط حكومته، خاصة أن تحالفه الهش لا يسيطر إلا على مجلس النواب، ويفتقد في المقابل السيطرة على مجلس الشيوخ الذي يملك هو الآخر نفس الصلاحيات، مما جعل سقوطه أمراً في متناول خصومه المتنمِّرين. وتتنبأ لوموند بأن يكلف الرئيس الإيطالي مجدداً "البروفيسور" برودي -كما يلقب- بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو خبر سارٌّ لو حصل بالنسبة لبقية العواصم الأوروبية المتخوفة من عودة اليمين البرلسكوني إلى الصورة مجدداً. وفي صحيفة "نيس ماتان" كتب "مارك شفانش" افتتاحية اعتبر فيها أن أيام الاستقرار الحكومي في إيطاليا ما زالت بعيدة، خاصة أن تحالف "برودي" الهش يضم من المتناقضات السياسية، ما يجعل استمرار بقائه في مواجهة مجلس شيوخ مناوئ، أمراً غير وارد أصلاً.

بلير يتخلى عن بوش: صحيفة لوفيغارو خصصت افتتاحية لموضوع الانسحاب البريطاني من العراق، اعتبر كاتبها بيير روسلين أن "الإخراج" الذي صحب به رئيس الوزراء البريطاني الإعلان عن البدء في سحب قواته لم ينجح مع ذلك في إخفاء حقيقة ما يجري. صحيح أن جنوب العراق الذي يسيطر عليه البريطانيون أكثر استقراراً من بغداد، ومن ثم يمكن المناورة بتسليم مأمون وعلى مراحل متدرِّجة، وفي حدود معينة، للمسؤوليات عن البصرة والجنوب للقوات العراقية، ولكن الحقيقة الجلية هي أن ما نراه الآن ليس هو ما زعم بلير أنه غزا العراق أصلاً من أجله قبل أربع سنوات. فأين ترسيخ الديمقراطية في بلاد الرافدين وفي عموم الشرق الأوسط؟ ثم، كيف يبرر ساكن "10 داونينغ ستريت" خروجه الآن هارباً من عراق تجتاحه حرب أهلية، ويفتقر إلى الاستقرار، وضربت فيه محاولات إعادة الإعمار أرقاماً قياسية في الفشل؟ وقبل هذا كله، لمن يُخلي بلير جنوب العراق، إن لم يكن للنفوذ الإيراني؟ لاشك أن الرئيس بوش الذي ضغط منذ زمن لتأخير هذا الانسحاب البريطاني، يجد نفسه اليوم في مهمة مستحيلة، خاصة بعد تعاظم ضغوط الكونجرس عليه، معطوفاً عليها خذلان بلير له الآن، وإعلان الدانمارك موقفاً مشابهاً. وفي "لاكروا" كتب "فرانسوا أرننوين" افتتاحية عن الموضوع نفسه قال فيها إن ما جدَّ في الموقف البريطاني علناً، هو ما بدأ يتشكل في الموقف الأميركي وإن بخطوات خجولة. فضغوط "الديمقراطيين" المسيطرين على الكونجرس، وتآكل عدد الدول الباقية في صفوف "التحالف"، واستمرار تردي الأوضاع على الأرض في العراق، وفيضان هذا التردي على دول المنطقة الشرق أوسطية الأخرى مثل فلسطين وخاصة لبنان، كلها عوامل ينتظر أن تفضي إلى ضعف موقف بوش، وهو ما سينضج فرص اتخاذ قرار أميركي شبيه بالقرار البريطاني. وفي "لا بريس دولامانش" كتب "جان لوفاولوا" افتتاحية جدد فيها الإدانة والتشهير بما انتهت إليه "المغامرة العراقية" في مجملها. فبدل تعزيز فرص الاستقرار، عززت الحرب الفاشلة فرص الاضطراب الإقليمي، وكبَّلت الأيدي الأميركية عن التصرف تجاه التحدي الأخطر وهو البرنامج النووي الإيراني. ويرى الكاتب أن قرار بلير جاء خضوعاً لضغوط قاهرة داخل حزبه "العمالي" لكي يتحمل هو عن خلفه المتوقع "جوردون براون" وزر حرب العراق الفاشلة وغير الضرورية، ومن ثم تحمل تبعاتها السياسية المدمرة. وهذا سيسمح لبراون بفتح صفحة جديدة في التحالف مع واشنطن، وبالمصالحة مع جمهور الناخبين في بريطانيا نفسها.

التجاذب حول إيران: "رينيه جيرار"، كبير المعلقين في الشؤون الدولية بصحيفة لوفيغارو، كتب مقالاً تحليلياً بعنوان: "الولايات المتحدة لا تستطيع اليوم إطلاق هجوم عسكري ضد إيران"، اعتبر فيه أنه على عكس ما يروج هذه الأيام، بعد تعزيز البحرية الأميركية في المنطقة، عن قرب توجيه ضربة لإيران، فإن ثمة عوائق كثيرة تجعل هذا الاحتمال ضعيفاً. فهنالك عوائق فنية، وسياسية، ودبلوماسية، تمنع أميركا من القيام بذلك. فمن الناحية الفنية يستحيل على أميركا تحديد كل الأماكن والمواقع ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، ومن ثم قصفها وتدميرها. ومن الناحية السياسية، ستكون لضرب إيران نتائج غير مرغوبة أميركياً، منها شحن المشاعر القومية في إيران ودفع الكثيرين هناك إلى تأييد النظام، خاصة وأن شعبية النظام الداخلية الآن ليست في أفضل حال، حتى في أوساط بعض الملالي أنفسهم، وحتى في صفوف بعض أعضاء "مجلس الخبراء" –الذي يعادل مجلس الشيوخ- كما قد يدفع هجوم من هذا القبيل الرئيس الإيراني إلى الانسحاب تلقائياً من اتفاقية منع الانتشار النووي. هذا إضافة طبعاً إلى الخطورة الشديدة لاندلاع حرب جديدة في المنطقة المشتعلة أصلاً بالأزمات، والنزاعات. وأخيراً يأتي العائق الدبلوماسي، ويتمثل في ما يشبه حتمية استخدام كل من روسيا والصين حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار دولي يجيز ضرب إيران. ولعل تصريحات الرئيس بوتين الأخيرة خلال جولته الشرق أوسطية، تؤكد تنامي مناهضته الشديدة للساسة الأميركية في المنطقة. أما الصين، فستحتم عليها مصالحها البترولية مع إيران استخدام "الفيتو". ولا يبقى بعد ذلك سوى دخول بوش في حرب غير مشرَّعة دولياً ضد طهران، وهو ما سيرفضه الكونجرس، ويرفضه الجمهور الأميركي، الذي ما زال يكفكف جراح الحرب غير المشرَّعة في العراق، التي لم تدرك نهايتها هي الأخرى حتى الآن.