الاتحاد

الإعلان عن سحب تدريجي للقوات البريطانية من العراق، رأى فيه مراقبون دلالة على بوادر حدوث تفكك في علاقات الحلف الإنجلو- أميركي في بلاد الرافدين... حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، يوم الأربعاء الماضي، أن قوات بلاده هناك سينخفض حجمها من 7100 إلى 5500 جندي خلال الأشهر القادمة. لكن التأكيد على لسان بلير نفسه، وفي اليوم التالي مباشرة، بشأن انضمام الأمير هاري نجل ولي العهد البريطاني والضابط في الجيش، إلى قوات بلاده العاملة في العراق، أعطى إشارة مفادها أن لندن ماضية في الحرب وما يترتب على حلفها مع واشنطن، إذ ليس من شأن الأمراء الأوروبيين أن يجردوا سلاحهم وينخرطوا في معركة إلا إذا كانت مهمة ومصيرية ولا رجعة عنها!

ولد الأمير هاري (هنري شارلز ألبيرت ديفيد مونتباتن- ويندسور) في لندن يوم 15 سبتمبر 1984، لوالده شارلز أمير ويلز ووالدته الأميرة ديانا، ليكون الثاني بعد شقيقه الأمير ويليام، والثالث في ترتيب ولاية العهد داخل العائلة الملكية البريطانية. وتم تعميده في ديسمبر من العام نفسه في كنيسة "سانت جيورج"، وفي سن الخامسة انضم إلى مدرسة "ليدجروف" الخاصة، وهناك أبثت مواهبه في الفروسية وسباق السيارات الصغيرة.

كان هاري مثار اهتمام الصحافة البريطانية، وقد لفت انتباه وسائل الإعلام بسبب حبه للمشاغبة وميوله الطفولية التي لم تفارقه حتى خلال جنازة والدته ديانا التي توفيت في حادث أبكى ملايين الناس من محبي الأميرة الراحلة في بريطانيا وخارجها! ومنذئذ تعرضت سمعته لسلسة من الانتقادات، خاصة بعدما تكرر ظهوره على أغلفة الصحف حاملاً سيجارة أو زجاجة جعة. وفي مطلع عام 2002 نشِرت تقارير صحفية تفيد بتعاطيه الماريغوانا والكحول قبل وصوله السن القانوني، وبأنه خضع للمعاينة في مصحة للعلاج من الإدمان، حيث اتخذ ولي العهد قراراً بعلاج ابنه الأصغر -والبالغ 17 عاماً حينها- بعدما اكتشف أنه تناول الحشيش خلال الحفلات الخاصة في منطقة "هاي جروف" وأنه اعتاد الشراب في الحانة الشعبية هناك. وقد اهتمت الصحافة بشجار نشب بينه وبين أحد المصورين ذات صباح قبل عامين، أمام ملهى ليلي بوسط لندن، حيث أصيب الأمير بكدمة في وجهه، وأصيب المصور الذي كان يلتقط له صوراً بقطع في شفته. وفي مطلع عام 2005 اضطر هاري للاعتذار عن ارتدائه شعار النازية، بعدما نشرت صحيفة "صن" على صفحتها الرئيسية صورته بلباس نازي عسكري وكتبت مانشيتاً رئيسياً: "هاري النازي"، مما اضطره لإصدار بيان قال فيه: "إنني آسف جداً إذا كنت قد سببت إحراجاً أو مضايقة لأحد. كان اختياراً سيئاً، وأنا أعتذر". كما كان هاري هدفاً لتحقيق أجرته الشرطة، قبل خمسة أعوام، عن حادث وقع في إحدى صالات لعب "البولينج"، حين تناول كمية زائدة من الخمور فأخذ يوجه الشتائم إلى موظف فرنسي في الصالة، ما اضطر الأخير إلى طرده فوراً من المكان.

لكن في عيد ميلاده الحادي والعشرين، قرر هاري عدم إقامة حفل مترف كما فعل شقيقه، الأمر الذي فُسِّر كرسالة إلى عائلته مفادها أنه أصبح شاباً متعقلاً، بل قال هو نفسه إن لديه "أموراً ينبغي التركيز عليها الآن" وأنه نضُجَ في الأعوام الأخيرة، لكنه لا يزال يحتفظ بمسحة طفولية ليس مضطراً للتخلي عنها الآن! وأشار مهتمون بشؤون العائلة المالكة إلى أن ثمة بالفعل تحولاً في شخصية "الأمير المشاكس"، كما اعتادت الصحافة البريطانية أن تنعته، نحو النضج والتحلي بالعقل، مشيرين إلى عوامل ثلاثة جعلته "يكبر بسرعة"؛ أولها ارتباطه بـ"شيلسي دايفي"، الشقراء الزيمبابوية التي يقال إنها تحاول توجيه سلوكه بما ينسجم مع خصال الأمراء في سنه. وكذلك زواج والده تشارلز (أبريل 2005) من "كاميلا باركر بولز"، وهي امرأة ودودة ساعدت في ترويض شخصية هاري. أما العامل الثالث والأهم فهو دخوله الأكاديمية العسكرية في مايو من العام نفسه، في طريق معاكس لما عرف عنه من حب للسهر وارتياد الملاهي والحانات. فقد التحق بكلية "ساندهرست" العريقة، وتخرج منها في مايو الماضي برتبة ملازم في سلاح الفرسان بالجيش البريطاني، وخلال حفل تخرجه قدم مع رفاقه، استعراضاً عسكرياً أمام جدته أليزبت الثانية.

وقد جاء انضمام هاري إلى سلك الجندية، ضمن تقليد تتوارثه العائلة الملكية؛ فوالده كان طياراً في سلاح الجو الملكي، وجده الأمير فيليب خدم في صفوف القوات البحرية الملكية، وكان عمه الأمير أندرو طياراً في سلاح الجو الملكي خلال حرب جزر الفوكلاند ضد الأرجنتين قبل 25 عاماً. وبتأثير من هذه الخلفية، نقل عن هاري قوله إنه لن يقف متفرجاً بعدما مر به في "ساندهرست"، بينما رفاقه يقاتلون بعيداً من أجل بلادهم، خاصة بعد أن توجهت وحدة من كتيبته أواخر العام الماضي إلى أفغانستان، وها قد جاء دور وحدته لتلتحق بجبهة أشد التهاباً، ألا وهي العراق، حيث سيكون هاري مسؤولاً عن 11 جندياً وأربع مركبات استطلاع خفيفة في البصرة. وهناك سيؤخذ وضعه الملكي في الاعتبار، إذ يعكف القادة العسكريون البريطانيون على وضع خطة لتأمين حياته وحياة قواته.

لكن قواعد ومقرات القوات البريطانية في البصرة، تتعرض يومياً لهجمات بالصواريخ والأسلحة الأوتوماتيكية من قبل الميليشيات الساعية للسيطرة على جنوب العراق. ولا يتوقع أن تقلل خطة انسحاب القوات البريطانية التي أعلنت تفاصيلها أول أمس -من وسط وجنوب غربي البصرة- حجم التهديدات والمخاطر التي تواجهها هناك، خاصة إذا ما تطور الموقف بين الولايات المتحدة وإيران التي تتماس جغرافياً وبشرياً مع البصرة، نحو مواجهة عسكرية في الأشهر أو الأسابيع القادمة... فما أبعد من هناك ملاهي لندن وأجواء لياليها الثملة بالضباب وأحلام الشباب المسرفة!