الخليج / حياة الحويك عطية

لماذا فتحت النار من جديد في الجزائر؟ وهل هي مجرد عمليات ارهابية عادت تضرب آذاننا كل يوم أم أن خلف الأكمة شيء آخر، ضمير مستتر تقديره عائد على مسمى لا بد من البحث عنه؟ جواب بسيط وسريع: إن الارهاب في الجزائر ليس شيئاً جديداً، وان هذه الحرب بين الإسلاميين المتشددين، بصيغة أو بأخرى، وبين الجهة الأخرى من البلاد أي الحكومة والعسكريين هي ما يدفع المواطنون ثمنه من دمائهم وأمانهم. لكن هذا الماضي المر الذي كادت سياسة الرئيس بوتفليقة أن تنهيه لم يكن مجرد صراع جزائري داخلي، كما هو الحال في كل صراعات العالم العربي. لقد كان الصراع الداخلي في الجزائر، بكل أسبابه ومكوناته المحلية، ترجمة للصراع الأمريكي الأوروبي، وتحديدا الفرنسي، على النفوذ في دولة المليون شهيد، التي هي في الوقت ذاته دولة الثروات الطبيعية الهائلة التي يتقدمها الغاز الطبيعي. ومن هنا يتشكل مفتاح الاجابة عن التساؤل الذي تفرضه أحداث الأشهر الأخيرة. ففي حين بدا أن الولايات المتحدة قد حسمت صراع النفوذ مع أوروبا لصالحها، سواء في إفريقيا أو في العالم العربي، وهما ما تنتمي اليهما معا الجزائر، عاد شبح آخر للبروز مهدداً هيمنة الامبراطورية التي لم تستقر بعد هناك. شبح يتمثل في العملاق الاقتصادي الصيني من جهة، وفي عودة الدب الروسي إلى الساحة السياسية، من جهة أخرى. وهنا كان نصيب الجزائر، كساحة محتملة للتهديد، كبيراً. ذاك أن الدعوة الروسية لتشكيل منظمة دولية على غرار الأوبك للغاز الطبيعي، قد لاقت أول استجابة لها في الجزائر، استجابة لم تلبث أن تجاوزت دائرة الكلام إلى دائرة التطبيق عبر توقيع اتفاقيات واضحة. وبما أن روسيا تحتل المرتبة الأولى في الدول المنتجة لهذه الطاقة المهمة، والجزائر الثالثة، فإن الثانية الواقعة بينهما، أي قطر، لا تكفي وحدها لضمان اطمئنان الدولة العظمى في هذا المجال الحيوي. كذلك فإن حالة عدم الاطمئنان هذه تمس أوروبا أكثر مما تمس أمريكا، بدليل التجربة المرة التي شكلت مثالاً صغيراً دلالياً، عندما أوقفت روسيا تصدير الغاز عبر أوكرانيا لمدة أسابيع فقط قبل أشهر. وبذلك وصلت الرسالة بسرعة واضحة إلى الجميع. فهل يتوقع عاقل أن يقرأها المتلقي ويطويها ويضعها تحت المخدة ويغط في نوم عميق؟

قد يقول قائل : وما علاقة ردة الفعل الأمريكية الاوروبية بالمنظمات التي ادعت المسؤولية عن عمليات الجزائر؟

والجواب يكمن فيما قاله بريجنسكي في جلسة الاستماع في الكونجرس الأمريكي قبل أقل من شهر، من أن الرئيس بوش رد على حليفه توني بلير، الذي كان قلقاً من عدم اكتشاف أسلحة دمار شامل تبرر الحرب على العراق، بأن الولايات المتحدة قد تمضي الى افتعال أي مبرر، حتى ولو كان من النوع الخيالي الذي قال مستشار الأمن القومي السابق من أنه يترك كشف تفاصيله للمستقبل. ما أحال التفكير يومها إلى كل ما تردد حول عمليات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وتورط الأجهزة الأمريكية فيها إن لم يكن لجهة التخطيط والتنفيذ، فإنما لجهة تسهيل تنفيذ أمر لم يخف أمر التخطيط على هذه الأجهزة.

كما رأينا كيف كان التوزيع القديم في الجزائر بين الإسلاميين وواشنطن من جهة، والعسكريين وفرنسا من جهة ثانية، لكان السؤال البديهي والبسيط: هل من الممكن ألا يكون قد بقي عملاء، أو أصدقاء يخترقون التنظيمات الحالية هنا وهناك؟ ومن الذي يستطيع أن يعرف ما الذي يمكن أن يفعلوه، أو أن يدفعوا الآخرين إلى فعله في ظل أجواء الاحتقان والعداء القائمة.

أفلم يكن واحداً من أساليب تنفيذ المخططات السياسية الدولية التي ترسم على الطاولات في الغرف السرية، عبر التاريخ، هو أسلوب استغلال العدو بدفعه إلى ارتكاب أعمال تفيد مخططك؟