لم يكن استهداف نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في أفغانستان رسالة فقط تجاه الاستراتيجية الأمريكية، فهذه الاستراتيجية على ما يبدو سارت بخط واحد من بغداد إلى كابول، دون أي قراءة سياسية إضافية تعطي للعمل الدبلوماسي مكانا في أجندة الإدارة الأمريكية. فقبل استهداف تشيني بات واضحا أن الخطة الأمنية في بغداد تتعرض لانتكاسات خطيرة، كان أخرها إصابة نائب الرئيس العراقي في انفجار استهدف وزير الأشغال العامة.

وإذا كانت مؤشرات الخطة الأمنية بعد أكثر من أسبوعين على تطبيقها توحي أن العنف مازال قائما، فإنها في نفس الوقت تطرح مقدمات لما يمكن أن تؤدي إليه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق، حيث يتضح وبشكل متسارع أن الواقع في المنطقة عموما لا يحمل انفراجات بل خلق "بؤر" توتر مختلفة نوعيا عما كان سائدا قبل احتلال العراق، فإدارة الصراع مؤهلة وفق هذه البؤر للتبدل بشكل سريع ومتزامن مع الاستراتيجية الأمريكية عموما وليس في العراق حصرا.

فالخطة الأمنية التي تطبقها الحكومة العراقية ليست اختبارا لما ستقدم عليه الإدارة الأمريكية، لأنها تدخل ضمن تسارع الأزمة في المنطقة، فهي مع بدايتها خلقت توترا مع سورية وإيران بعد إقفال الحدود معهما، وبالتزامن أيضا برزت مشكلة اللاجئين العراقيين، حيث اتضح أن التصريحات الرسمية العراقية متفاوتة ومتباينة، بحيث كان من الصعب معرفة الموقف الرسمي بشكل سريع من "مسألتي اللاجئين" التي بدت وكأنها "هجوم" احتياطي قبل تطبيق الخطة الأمنية.

وإذا كانت سورية استوعبت بشكل سريع "أزمة اللاجئين"، لكن "البؤر" الجديدة تخرج عمليا عن نطاق سيطرة دولة بعينها، لأنها تملك امتدادا إقليما واضحا. فالخطة الأمنية قدمت العلاقة السعودية – الإيرانية على سبيل المثال كمجال اختبار، حيث ماتزال التسريبات تتحدث عن "مخازن أسلحة" مجهولة أحيانا، ومعروفة المصدر أحيانا أخرى، كما لا يمكن فصل هذا الموضوع عن التوتر الذي ضرب حدود إيران من شرقها وغربها، وبشكل يوحي أن "الخطة الأمنية" هذه المرة مسلحة بأدوات ضغط من نوع خاص تتعامل مع المحيط الإقليمي بنفس الأسلوب "العسكري" الذي يتم التعامل معه في بغداد ومحيطها، فهذه الخطة تحمل:

  النموذج الذي تم اختياره بالنسبة للإدارة الأمريكية في "إدارة الأزمة"، فمع الضغوط الداخلية من الكونغرس فإن الإدارة الأمريكية تستخدم إطار "توسيع" الأزمة لتشمل مجمل العلاقات الشرق أوسطية، فليس بعيدا عن الخطة جولات رايس في المنطقة، أو حتى نتائج اجتماعات الرباعية التي أبقت شكل التوتر في المناطق الفلسطينية على حاله، أو حتى الحديث عن ضربة لإيران. فمن الصعب اليوم فصل هذه المواضيع على الأخص أن الولايات المتحدة تتهم كافة الأطراف بالعنف الدائر في العراق.

  ضمن النموذج السابق يظهر التحول في الصراع باتجاه "المحاور الافتراضية" التي صاغتها واشنطن عبر "التقييم" السياسي وليس عبر الفعل الحقيقي، ومن هنا فلا يبدو مستغربا أي لقاء إيراني – سعودي، ولكن نتائجه السياسية ربما تبقى معلقة على ما يمكن أن يؤول إليه الوضع في العراق بالدرجة الأولى، فالمسألة هي في النتائج المرتقبة لاستراتيجية بوش ولخطة المالكي الأمنية، بينما تبقى الرغبات السياسية هي محاولات إقليمية لعدم دفع الأزمة إلى أوجها. ووفق هذا التصور يمكن أن نفهم لماذا رعت المملكة السعودية اتفاق مكة، ولماذا لجمت الإدارة الأمريكية نتائجه باتنتظار ترتيب العلاقات إقليميا.

  إذا كانت الولايات المتحدة نجحت بعد احتلال العراق في إنهاء "مركزية" الصراع الذي كانت إسرائيل تشكل مجاله الأساسي، سواء في موضوع التسوية أو تطبيق "الشرعية الدولية"، ليصبح هذا "الصراع" موجود على أكثر من اتجاه ربما تبدء بالإرهاب وصولا إلى تصنيفات الدول التي أطلقتها الولايات المتحدة ما بين "فاشلة" ومعتدلة، وانتهاء بخطر الحرب الأهلية في العراق. و هذه "البؤر" الجديدة للتوتر مؤهلة لتصبح "محاور" الصراع في المنطقة، ولتصبح إدارة الأزمات مختلفة تماما عما كان سائدا قبل عقد من السنوات.
بالطبع فإن "الخطة الأمنية" تشكل المقدمة التي يمكن ملاحظتها بشكل مباشر، أو ربط المؤشرات السياسية العامة بها، لكنها بالطبع لا يمكن أن تحمل "الاخفاق" بالمعنى التقليدي، فهي تحقق التشتت السياسي المطلوب، سواء نجحت في تحقيق السيطرة الأمنية على بغداد او فشلت، كما انها في نفس الوقت مترافقة مع واقع سياسي عام يتم تطبيقه لتحقيق نتائج يمكن للإدارة الأمريكية التحدث عنها في مواجهة خصومها السياسيين، فالحكم على هذه الخطة لا يمكن أن يتم وفق إطار امني فقط، لأنها تسير على المجال "الجيوستراتيجي للمنطقة عموما، مبدلة الكثير من طبيعة العلاقات بين الدول على إيقاع التقديرات الأمريكية لنجاح هذه الخطة او فشلها.

عن الوطن السورية

مصادر
سورية الغد (دمشق)