الوطن القطرية / أيمن ياغي

إ ذا لم تكن اللغة التي استخدمت بين الروس والاميركيين في الآونة الاخيرة «حربا باردة» فماذا يمكن ان نسمي التصريحات الصادرة عن قادة الكرملين والتي تنتقد بشكل غير مسبوق «الاحادية الاميركية» وتهدد بضرب منظومة الدفاع الاميركية على الحدود الروسية ـ الأوروبية؟ ان صحوة «الدب الروسي» بعد غفوة طويلة اعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي السابق قد يكون لها اكثر من معنى ودلالة تشير بوضوح إلى ان روسيا غير الشيوعية التي انحنت طويلا للعاصفة الاميركية التي اجتاحتها اولا وتمددت من بعدها باتجاه العالم ككل لم تعد تحتمل مزيدا من «التمدد» العسكري الاميركي باتجاه أمنها الاستراتيجي لذلك كانت مضطرة حسبما يبدو للصراخ ضد هذا الزحف الخطير الذي تجاوز مسألة الاقتراب من الساحات والباحات الخلفية باتجاه قلب الأمن القومي الروسي.

والدلالات التي يمكن استقراؤها وتقصيها من وراء اهتزاز العلاقات بين واشنطن وموسكو نلخصها فيما يلي: أولا: ان روسيا البوتينية اليوم هي غير روسيا الضعيفة التي «تضعضعت» وانهارت على خلفية ذوبان الاتحاد السوفياتي السابق، حيث تمكن الرئيس فلاديمير بوتين بعد هذه السنوات الطويلة من النهوض من تحت ركام الانهيار التاريخي الذي افرزته «بروسترويكا ـ غورباتشوف» تحسين الوضع الاقتصادي الروسي وتخفيف العجز المالي للدولة وتسديد الديون الخارجية مستفيدا من ارتفاع اسعار النفط وتحول روسيا لدولة مصدرة للطاقة.

ثانيا: ان موسكو تحاول الظهور مجددا على المسرح العالمي، استفادة من الاخطاء والاندفاعات التي ارتكبتها ادارة الرئيس جورج بوش في العالم والتي وصلت اخيرا الى حد تطويق الامن الروسي وتهديده بشكل مباشر عبر نشر منظومة الدفاع المضادة في كل من بولندا وتشيكيا تحت زعم تأمين الحماية من هجمات «الانظمة المارقة» الامر الذي لم تقدر موسكو على ابتلاعه وتمريره، بل وجدت فيه فرصة ذهبية للقول انها مازالت قوة كبرى ولديها من الروادع الاستراتيجية ما يجعل الاميركيين يعيدون حساباتهم ويخفضون من وتيرة زحفهم نحو «الدب الروسي» الذي لوح بالعودة الى انتاج الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى والعابرة للقارات.

ثالثا: لم يكن غرض روسيا التصدي للأحادية الاميركية في العالم بقدر ما ارادت لفت الانتباه العالمي الى التمادي الاميركي الذي لم يعد يعرف حدودا والدعوة الصريحة الى ضرورة تصحيح الخلل الحاصل في ميزان العلاقات الدولية بالعودة الى مرجعية دولية متوازنة والضغط على ادارة بوش لوقف هذا التفرد الحاصل في مصير نزاعات العالم.

ان كلام الرئيس بحدته غير المسبوقة، افصح بجلاء عن نمط روسي جديد في العلاقة مع واشنطن وفي كيفية التعامل مع الازمات الدولية القائمة هو بالضبط ليس زلة لسان، ولا ايحاء بحرب باردة جديدة حقيقية، بل له هدفان رئيسان الاول منع التمدد الاميركي باتجاه الخطوط الحمر الروسية والثاني محاولة روسية جادة نحو استعادة ما سقط من نفوذ منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. ما يهمنا كعرب في ظل ما يجري في توظيف هذه المرحلة من التجاذب الروسي ـ الاميركي في تصحيح الثقل العربي قبل وضعه في ميزان العلاقات الدولية المتغيرة.. واستثمارذلك لمصلحة قضايانا المصيرية التي تتعرض للضياع بسبب الاجندات والاستراتيجيات الاميركية الاحادية.