لم يكن ما تحدث عنه سيمون هيرش في صحيفة النيويوركرز مرتبط مباشرة باطراف المعارضة السورية، فهو كان يرسم الآفاق الاستراتجية لما يمكن أن نسميه "التحرك الشرق أوسطي" الذي يحمل لونا عبثيا، أكثر من كونه قدرة على "التبديل" حسب تعبير هيرش.
في المقابل يبدو أن المسائل الاستراتيجية وفق ما تقوم به الولايات المتحدة لا تهدف فقط إلى صياغة تكوين جديد بل إلى التعامل مع قفزات استراتيجية تخلق بشكل سريع "بؤر" توتر غير كلاسيكية، ففي مراحل الحرب الباردة كانت البؤر التي يتم استحداثها تتعلق بصراعات الدول والأنظمة السياسية، إضافة للموضوع الفلسطيني، ولكن عملية القفز على كافة المحاور يخلق نزاعات اجتماعية، وانقسامات حادة باتت معروفة ضمن التجارب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق، أو في لبنان، أو حتى في فلسطين.

عمليات "التبديل" حسب هيرش تحمل أكثر من صورة، فهي تجمع المتناقضات كما يحدث في دعم المعارضة السورية، وهو أمر أيضا تم تجريبه في النموذج العراقي وأنتج سياسية انتقلت سريعا إلى الساحة الاجتماعية. بينما تبدو الصورة الثانية في تشتيت العلاقات الإقليمية على "المحاور" التي لا تنتمي إلى السياسة بل إلى الموروث التراثي. وهذا التشتيت الذي يمكن أن ينطلق من الحدث السياسي سرعان ما يأخذ سمات أخرى نتيجة التوتر المنتشر في العلاقات الإقليمية والدولية. وهذه الصورة بدت واضحة في حرب تموز، أو في مسألة العلاقات العربية – العربية، أو حتى في موضوع الجامعة العربية التي زال عنها السمات المرتبطة بـ"التفاعل السياسي" لتصبح مهامها الإدارية تلخص هدفها وربما خططها.

ربما تكون الصورة الأخير التي ينقلها هيرش في موضوع التعامل مع القوى الداخلية، فاإدارة الأمريكية وإن كانت تتعامل سابقا مع التيارات لكنها في المرحلة الحالية تقوم باستبدال التعامل مع الدولة ببناء علاقات مع القوى المحلية سياسيا وثقافيا. هذا الشكل أوضحه هيرش من خلال استعراضه لطبيعة العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وأطراف لبنانية، لكنه عمليا يبدو أكثر وضوحا في حركة السفراء من جهة وفي الزيارات الرسمية التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيون إلى المنطقة.

وإذا كان من الطبيعي أن ترسم الولايات المتحدة استراتيجيتها وفق مصالح خاصة، لكن السؤال هو أن طبيعة هذا المصالح التي تتسم بطابع "عبثي" أكثر من كونها فوضى بناءة.. فالسياسة الحالية ربما تكون قادرة على تفتيت المنطقة بالمعنى الاجتماعي وليس السياسي، إلا أن السؤال حول المآزق التي ترسمها هذه الاستراتيجية أو حتى الصراعات التي تفجرها، حتى أن صحيفة الغارديان رأت في افتاتحيتها اليوم أن العالم بالفعل أصبح "أقل أمنا".