النهار / رنده حيدر

أطلق اتفاق مكة الذي رعته المملكة العربية السعودية للمصالحة الفلسطينية بين "فتح" و"حماس" من جديد دينامية ثنائية الاتجاه لمسار العملية السياسية للتسوية المعلقة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. فمن جهة هناك الموقف الاسرائيلي - الأميركي المتحفظ بنود الاتفاق ومحاولاته تطويق ما حصلت عليه "حماس" من اعتراف عربي ودولي وذلك بالاشتراط على حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الجديدة التي ستشكلها "حماس" القبول بمبادىء اللجنة الرباعية وفي طليعتها الاعتراف بدولة اسرائيل وبالاتفاقات المعقودة معها ونبذ العنف، ولكن من جهة أخرى ساهم اتفاق مكة في بلورة موقف عربي - أوروبي مخالف للسابق مؤيد لحكومة الوحدة الفلسطينية من دون شروط مسبقة فاتحاً الباب من جديد امام أفق سياسي للتسوية قد تحمله معها القمة العربية التي ستنعقد في الرياض منتصف هذا الشهر برعاية المملكة التي كانت وراء ولادة اتفاق مكة.
والراهن ان المحاولات الاسرائيلية للتشكيك باتفاق مكة وتطويق انعكاساته السياسية لم تسفر حتى الآن عن نتيجة تذكر بل على العكس فالجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية الى المنطقة لم تسفر عن شيء ملموس سوى اعادة احياء دور اللجنة الرباعية وتذكير "حماس" بضرورة تقيدها بالشروط المطلوبة منها للحصول على دعم دولي. ولم تفلح هذه الحركة الالتفافية الاعتراضية في اغلاق الثغرة التي فتحها الاتفاق أمام السلطة الفلسطينية و"حماس" بصورة خاصة للإنفتاح على المجتمع الدولي والبدء بالمطالبة برفع الحصار الاقتصادي المفروض على الفلسطينيين منذ انتخاب "حماس" والسعي الى انهاء المقاطعة السياسية الدولية للحكومة الفلسطينية المقبلة من دون شروط مسبقة.
وطلائع نجاح الفلسطينيين في مسعاهم بدأت تبرز عبر مؤشرات تبدل في الموقف الأوروبي من حكومة الوحدة الوطنية برز في الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل الى موسكو والتي اسفرت عن موافقة روسيا على التدخل لدى اللجنة الرباعية لرفع الحصار عن "حماس" مقابل تعهد الأخيرة وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل، ومن دون الاعتراف بها كما تطالبها الرباعية.
ولم ينحصر التغير في الموقف الأوروبي بروسيا ففرنسا ايضاً اعربت عن تأييدها اتفاق مكة بصفته خطوة مرحلية الى الحل الدائم، وهذا ايضاً ما عبرت عنه بوضوح مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي في جولتها الحالية في المنطقة.
وبامكاننا ان نضيف الى هذا التبدل في الموقف الأوروبي المساعي التي تبذلها المملكة العربية السعودية من اجل انجاح القمة العربية المرتقبة، ويدخل في هذا السياق اللقاء الذي عقده العاهل السعودي مع الرئيس المصري حسني مبارك، والرغبة السعودية في بلورة موقف عربي موحد وداعم للحكومة الفلسطينية المزمع انشاؤها يكون مستقلاً تماماً عن موقف الادارة الأميركية، ويمكن ان يشكل مدخلاً للتفاوض ليس فقط على الحل الدائم للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وانما ايضاً يساعد على احياء المفاوضات السياسية بين اسرائيل وسوريا سعياً الى حل شامل ودائم للنزاع مع اسرائيل على اساس مبادرة السلام التي طرحتها السعودية، ووافقت عليها الدول العربية المشاركة، والتي تقضي بانسحاب اسرائيل الى حدود 1967 مقابل تطبيع العلاقات معها.
من هنا يمكن القول ان الدور المعرقل الذي تلعبه اسرائيل حالياً عبر الاستعانة بالولايات المتحدة واللجنة الرباعية لمنع "حماس" من تشكيل حكومة فلسطينية جديدة قبل التراجع عن ايديولوجيتها الرافضة وجود اسرائيل ونبذ العنف، لا بد ان يصطدم عاجلاً أم آجلاً بالموقف الدولي المختلف الآخذ في التبلور وبالاجماع العربي الجديد الذي قد ينتج عن القمة العربية المقبلة.
من هنا ليس من المستبعد ان تلجأ اسرائيل في حال اكتشفت ان الاتجاه هو نحو الاعتراف بشرعية "حماس" الى التصعيد. فكل الدلائل تشير الى أنها ستواصل حربها على"حماس" حتى اللحظة الأخيرة ولو من دون دعم الادارة الأميركية، وأي موقف آخر لها ستعتبره تنازلاً من جهتها للتطرف الأصولي الاسلامي ورضوخاً "للإرهاب".