لم يكن مرعبا الإعلان عن مجزرة حدثت في حرب عام 1967، فما حدث على طول سنوات الصراع حمل قسوة يمكن دراستها بعمق أو حتى بشكل قانوني لمعرفة قدرتنا على التعامل معها وفق القوانين الدولية.. لكن "بيان" المجزرة يحمل كما من التفاصيل التي يرويها رئيس الأركان الإسرائيلي السابق بنيامين بن أليعازر، يدفعنا للاعتقاد بأن الإفصاح عنها هو أكثر من رواية تاريخية، لأنه يدخل في مساحة من "التبجح" بارتكاب المجزرة، والتعامل معها وكأنها خارج أي إطار للمحاسبة.

ربما يملك بن أليعازر مبرراته للحديث عما يجري، كما أن تعامل الإعلام الإسرائيلي مع هذه الرواية له أيضا أغراضه الخاصة، بينما تبقى السياسة المعنية بمسألة الصراع دون مبررات أو مصالح للحديث عن هذه المجزرة... فالحديث عنها ربما يقطع الطريق على "التسوية" المتوقفة أساسا عند نقاط محددة.

لكن البحث عن التسوية لا يمكن أن ينطلق من فضاء مطلق، وعندما نتحدث عن "سلام عادل وشامل" فإننا سنضطر إلى البحث في إنهاء "الشعور بالظلم" حتى لا يصبح هذا السلام عنوانا سياسيا لمرحلة محددة... فالدخول بالتسوية يمكن أن يصبح لإسرائيل مفاوضات حول "الأرض" مقابل سلام، لكنه لا يمكن أن يأخذ صفة "العادل والشامل" دون إعادة النظر بالمسؤوليات التي أنتجت المجازر والاغتيالات، ودون النظر إيضا إلى مسألة "العادل" وفق إطار القانون الدولي الذي يلاحق مجرمي الحرب ويتابع "المجازر" ضد الإنسانية في دافور وكوسوفو.. بينما تبقى "المجازر" القديمة، أو تلك التي تلوح في الأفق معلقة على أبواب الإعلام فقط.

خطورة تصريحات بن أليعازر أن تبقى ضمن حدود "الدولة العبرية"، وكأن ما حدث لا يمس دولا لها سيادتها ويمتلك مواطنيها حقوقا وواجبات. فالتغاضي عن هذه المسألة توضح أن "الدول" تحاول أن تصبح تعبيرا ناقصا على حساب التزامتها السياسية تجاه "النظام الإقليمي الجديد" الذي يفرض أجندة واحدة فقط... فالموضوع يتجاوز "الضحايا" الذين سقطوا في سيناء، ليصل إلى الضحايا في لبنان، والمدنيين المؤهلين للاستشهاد نتيجة القنابل العنقودية.

ومهما بدت المسألة اليوم على هامش السياسية، أو تاريخا نسيه البعض، لكن القتل والاستباحة تبدو أكثر من ذاكرة نحملها بشكل دائم، لأن "المجازر" شكلت استراتيجية إسرائيلية على مساحة الصراع، تخلق "الرعب" الذي نحمله معنا عندما تلوح في الأفق معركة، وهو أيضا يعبر عن النقص الذي يشكله السلام مهما توافقت عليه الأطراف، لأن المجازر ارتكبت بحق المجتمع قبل أن تصبح عنوانا سياسيا تعجز بعض الدول عن المطالبة بفتحه، أو تسعى السياسة الإقليمية لتجاهله لأنه يخرج عن "خارطة الطريق"...