تدرج مصادر ديبلوماسية اتصال وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس برئيس الحكومة فؤاد السنيورة قبل يومين لطمأنته الى ان لا حلول على حساب لبنان في اطار الاتصالات والمساعي الى حلول لأزمات المنطقة، في اشارة واضحة الى مؤتمر بغداد المرتقب عقده في العاشر من هذا الشهر والى زيارة ديبلوماسية اميركية قريبا لدمشق من اجل البحث في مسألة اللاجئين العراقيين في سوريا في اطار توجيه الرسائل السياسية الى سوريا بقدر ما هو موجه الى اللبنانيين. اذ اعتادت دمشق محاولة توظيف اي انفتاح عليها من اي نوع في اطار تخويف اللبنانيين وممارسة ضغوط نفسية ومعنوية عليهم، فضلا عن الايحاء انه متى فتحت الافاق بالنسبة الى دمشق فانما يكون ذلك على حساب لبنان. ولذلك كان موقف رايس بمثابة استباق لما يمكن ان تعمد اليه دمشق في تفسير مؤتمر بغداد من جهة، خصوصا ان ذلك يعتبر بمثابة شكل من الاعتراف بان لها دورا تؤديه في العراق ومحاولة الانفتاح الجزئية في بعض المواضيع من جهة اخرى. وأبلغ مسؤولون دوليون من يهمه الامر في لبنان وخارجه ان زمن التسويات التي يمكن في ضوئها اجراء صفقة مع بلد على حساب اخر قد ولى، بمعنى ان اي تسوية في موضوع العراق لن تنعكس سلبا على لبنان، بل بالعكس.

وتقول مصادر ديبلوماسية زارت لبنان اخيرا ان محاولات الانفتاح على دمشق من بعض الدول الغربية تعود الى مطالبات في الداخل البريطاني او الاميركي او الاوروبي عموما بعدم استبعاد دمشق عن التسويات في المنطقة واستطلاع ما يمكن ان تقدمه من اجل فك العزلة عنها للمساهمة في التعاون في العراق تحديدا. وكان موضوع لبنان ولا يزال الموضوع الابرز الذي يشكل نقطة صعوبة لاعادة فتح الابواب للعاصمة السورية رغم تقدم مواضيع اقليمية اخرى على الموضوع اللبناني في اهتمامات الدول الكبرى ورغم بعض الخطوات التي خطتها دمشق في الموضوع العراقي او في الموضوع الفلسطيني. فبالنسبة الى الموضوع العراقي سجل تضاؤل ملموس في عبور المتسللين الى العراق عبر الحدود السورية بسبب منعهم، الا ان ثمة شكوكا كبيرة في ان تكون دمشق قد رمت بهؤلاء المتسللين في اتجاه لبنان لئلا تتركهم على اراضيها وخشية ان يتسببوا بمشاكل للنظام فيها. ومن هذا المنطلق تتم متابعة تهريب السلاح وعبور عناصر من "القاعدة" الى لبنان. اما بالنسبة الى الموضوع الفلسطيني، فثمة اقرار دولي بان سوريا ساهمت في تسهيل "اتفاق مكة" بين السلطة الفلسطينية والتنظيمات الراديكالية الفلسطينية المقيمة في دمشق، وينبغي ان يشكل مقدمة لامكان نجاح مماثل بالنسبة الى لبنان، ولكن من دون اي اتفاق معها على حساب لبنان او بدلا منه. ذلك انه سبق للولايات المتحدة ان اقامت حوارا مع ايران في موضوع افغانستان من دون ان يطاول موضوع الملف النووي الايراني. وهو ما سيسري على مؤتمر بغداد، ولا ضرورة تاليا لتعليق آمال في غير محلها على نتائجه بالنسبة الى ملفات اخرى غير الملف العراقي.

وتقول مصادر ديبلوماسية معنية ان الاتصالات التي تولاها الرئيس المصري حسني مبارك مع نظيره السوري بشار الاسد الاسبوع الماضي على اثر القمة السعودية - المصرية في المملكة العربية السعودية انما كان على اساس ما يجمع عليه الجميع بالنيابة عن العرب في الدرجة الاولى وعن الجانبين معا في الدرجة الثانية . فالعاملان الاساسيان اللذان تعمل على اساسهما المملكة راهنا يتصلان بالآتي: اولا ان المسؤولين السعوديين يبذلون ما في وسعهم من اجل تليين الموقف السوري من المحكمة ومن الموضوع اللبناني ككل الذي يدخل فيه ضرورة ان تكف سوريا عن زعزعة الاستقرار في لبنان، من دون ان تضطر المملكة الى اي تنازلات لسوريا، بل ان النقيض هو الصحيح اذا شاءت سوريا العودة الى الحظيرة العربية وفك العزلة عنها بعدما سبقتها ايران الى حماية ظهرها عربيا وبقيت سوريا وحيدة في انتظار ان تنجح محاولات رأب الصدع بينها وبين الدول العربية المؤثرة في القمة العربية المرتقبة في الرياض في 28 من الشهر الجاري.

والعامل الاخر الذي تعمل على اساسه المملكة مبني على ارتياحها الى تعاون ايران معها، وهي على ثقة تامة بأن هذا التعاون سيستمر. وزيارة الرئيس الايراني احمدي نجاد للسعودية، متصلة قبل كل شيء بالملف النووي الايراني وحسابات ايران حيال احتمالات تعامل المجتمع الدولي معها، تشكل دليلا على ان الطرفين السعودي والايراني قطعا اشواطا على طريق بناء الثقة بينهما وطبيعي ان يشكل لبنان احد ابواب بناء هذه الثقة .

هذه المعطيات على ما تقول المصادر الديبلوماسية المعنية باتت في حوزة دمشق كما في حوزتها ايضا ان علاقتها بلبنان هي احدى البوابات، من اجل خطوات اكبر في اتجاه اعادة استيعابها من المجتمع الدولي ومن ضمن ذلك موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي. كما ان بوابتها لاستعادة الجولان رغم المحادثات السرية التي اجرتها مع اسرائيل قبل حرب تموز الاخيرة على لبنان هو فك ارتباطها مع ايران، في حين ان استمرار هذا الارتباط على النحو الحاصل لن يجعلها تتقدم للحصول على المكاسب التي تطمح اليها .

مصادر
النهار (لبنان)