حقوق المرأة تشكل الأساس المتين للتنمية في المجتمع. فالمرأة أما أو أختا أو ابنة أو زوجة فهي في كل الأحوال المربية والحاضنة والأم. وجميع أفراد المجتمع ذكورا أو إناث يجلونها لأن (الجنة تحت أقدامها كأم).
ومن جهة أخرى فالكل يعرف كم تقدم للمجتمع من أعمال عظيمة كونها حافظة للنوع البشري أي تنتج مستقبل المجتمع بحسب طبيعتها الأنثوية التي لا تنفصل عن أمانة حفظ النوع. إضافة لجمالها وأهمية مشاعرها وحنانها ومحبتها وفكرها ومركزها.. إذن فالجميع كأفراد يحبها ويجلها ولا يوجد من يريد ظلمها. ولكن حقيقة وجودها في المجتمع تعاني من ظلم كبير على المستوى الثقافي و الموروث وهو الأهم, وأيضا تعاني ظلما قانونيا أقل.. فإذا كان جميع أفراد المجتمع يحبها ويقدرها, إذن لماذا هي كائن مضطهد؟ أي عندما تنزل المرأة من أفكار الرجل الذي يحبها ويحترمها إلى أرض الواقع تعاني ظلما أو تمييزا.

فآلية التمييز ضد المرأة تقوم على مركب الجهل بطبيعتها والإحساس بالنقص الناتج عن الخوف عليها أو منها.. فهي الشرف (الشرف الذي يحدد طبيعته الرجل). وهي الميناء الذي يرسو عليه الرجل من عناء أيامه (الميناء الذي ينتظر في البيت عودة الرجل). وهي الممتدة في وجدان و خلايا جسد الرجل (عندما كان مضغة في رحمها). وهي التي تنتج الأطفال البعض منهم يشبهها في الجنس والآخر مختلف, ولا ندري أين هي ذكرياته عن فترة إقامته في رحمها سعيدا كملاك... وهي حرم الرجل الذي يختلط فيه المقدس والمدنس. وهي الأنثى التي يعشقها الرجل ويريد أن يكون بطلا أمامها ليكسب ودها ويعتز فيها, وبلحظة طائشة أو من خلال سوء فهم بسيط من السهل عليه قتلها ليس لكونها تستحق القتل بل لأنه شعر أنه بدونها لاشيء. إنه مركب الخوف و النقص..

فالرجل لم يظلم المرأة وكذلك المرأة لم تظلم نفسها بل المجتمع من خلال اعتقاداته وتكوينه الثقافي كموروث يضطهدها ويذهب في ظلمه إلى أبعد من اعتبارها مخلوقا من الدرجة الثانية فقد تكون مصدرا للشر والغواية أو الفتنة يجب قطع الطريق عليها.

مخالفة دستورية:
يوجد لدينا في سورية ثلاث محاكم للأحوال الشخصية هي حسب المادة /33/ من قانون السلطة القضائية: المحاكم الشرعية- والمحكمة المذهبية- والمحاكم الروحية. ويتبع هذه المحاكم خمس قوانين للأحوال الشخصية (على الأقل) تطبق على المواطنين السوريين, هي قانون الأحوال الشخصية رقم /59/ لعام 1953 تطبقه المحاكم الشرعية. والقانون /23/ لعام 2004 للأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس تطبقه المحكمة الروحية للروم الأرثوذكس.

والقانون /31/ لعام 2006 قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية وتطبقه المحكمة الروحية الكاثوليكية. وهناك أيضا قانون للأحوال الشخصية لطائفة البروتستانت تطبقه محكمة البروتستانت الروحية إضافة لقانون أحوال المواطنين الدروز الذي تطبقه المحكمة المذهبية! إذن هناك عمليا خمس قوانين مختلفة تحكم الأسرة والزواج. ومهما قيل في تقارب أحكامها بالمضمون إلا أنها متميزة عن بعض ومختلفة وتتعارض من حيث النتيجة كوجود قانوني مع الدستور نصا وروحا لأنها تخرق قاعدة تساوي المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات. فالمواطن السوري، بحسب الدستور، له مركز قانوني واحد سواء أكان مواطناً مذكر أو مؤنث. والمركز القانوني الواحد يحدده قانون واحد يطبق على كافة السوريين دون أي تمييز.

فيكفينا شرفا أننا سوريون لنكون مواطنين متساوين لنا قانون واحد للأحوال الشخصية يطبق على مساحة الوطن، مع احترام الخصوصية، إن وجدت، لبعض الشرائح الاجتماعية على أساس إنها لون اجتماعي وليست لون طائفي. فالطائفة خصوصية تمارس بشكل شخصي وليست ظاهرة اجتماعية. والقانون ينظم المجتمع من خلال استمرار هذا المجتمع وتطوره كمرفق عام تحت رعاية الدستور الذي يقول بالمادة /25/ ف 3 (المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات). وهذا يفترض حكما من باب أولي وجود قانون واحد يحفظ حقوق الجميع ويطبق على الجميع دون استثناء.

فمع تعدد القوانين التي تحكم ناحية واحدة (الأحوال الشخصية مثلا) نجد الاختلاف واضح في التطبيق والنتائج التي يصل إليه المواطن السوري باختلاف القانون المطبق عليه وهذا متناقض مع الدستور السوري.

فمثلا: تلزم الزوجة المطلقة والتي انتهت عدتها بترك المنزل الزوجي بينما نجد أنه وفق قانون سوري آخر بأنه يجب أن يبقى لها البيت الزوجي أو قسما منه على سبيل الانتفاع. (إذا انفصل الزوجان بحكم وكان أساس البيت المقيمين فيه غير ثابت للزوجة فللمحكمة أن تسمح لها بالانتفاع بقسم منه.) مادة /45/ من قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية.
كما نجد زواج مسلمة من غير مسلم باطل (مادة 48 أحوال شخصية) وهذا لم نجده في قوانين المحاكم الروحية. أي أن المركز القانوني للمرأة السورية اختلف كثيرا لجهة الحقوق فمثلا صبية سورية لها أن تختار زوجا لها من كافة الشباب السوريين من كافة الألوان بينما وفق قانون آخر ليس لها هذا الحق أو أنه منقوص لينحصر بلون واحد. كما أن إثبات الزاج متيسر وسهل وفق قانون الأحوال الشخصية بينما هو صعب وفق القوانين الأخرى..
وهذه الاختلاف ينتج عن اختلاف القانون المطبق على كل حالة بالرغم من أن المواطنتين سوريتان وقد تكونا جارتين وصديقتين أو زميلتين بنفس العمل. وقد نجد أخرى زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة بينما لم يتيسر ذلك لزميلتها في قوانين الأحوال الشخصية الأخرى. وقد نجد أن أطول مدة للحمل هي سنة بينما في قانون آخر للأحوال الشخصية تقريبا عشرة أشهر وهذا يرتب آثار خطيرة لجهة نسب المولود.

فتوحيد قانون الأحوال الشخصية واجب اجتماعي. ومن المفيد تكليف المحكمة الدستورية العليا وفق آليات عملها معالجة هذه الناحية. أو على الأقل جمع قوانين الأحوال الشخصية وتطبيق الأنسب منها لجهة المرأة والطفل أو الأسرة طالما هذه القوانين صدرت أصولا وفق الطرق الشرعية السورية. لأن المرأة والطفل تدفعان ثمن التخلف والتعصب وتعدد قوانين الأحوال الشخصية. فهي الأم التي تحرص على الأسرة وهي التي تستطيع بناءها والمحافظة عليها. والأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة (مادة 44/1 من الدستور).