المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية وليد المعلم مع نظيره البلجيكي كاريل دو غوخت أوضح أن العلاقات مع أوروبا سياسيا على الأقل ماتزال تحمل مجموعة من الأزمات لا ترتبط مباشرة بكل من سورية والاتحاد الأوروبي، إنما بأزمة الجغرافية – السياسية التي ظهرت بعد احتلال العراق، فصورة الشرق الأوسط التي تبدلت أمام الأوروبيين تبدل معها واقع التعامل الإقليمي أيضا، وهو ما يجعل الوضع اللبناني مسألة في صلب العلاقات مع أوروبا، وذلك بغض النظر عن وجهات النظر الأوروبية الخاصة، مثل الموقف الفرنسي.

فالأوربيون الذي يؤكدون وجود أزمة في لبنان، حسب تعبير الوزير البلجيكي نفسه، ينطلقون في تفكيك هذه الأزمة من "التوتر" القائم وهو ما يدفعهم نحو طرح مسألة تواجد قوات دولية على حدود لبنان وسورية، وربما يسعى هذا الطرح إلى "سد ذرائع" طرف لبناني، لكنه في نفس الوقت يتعامل مع الواقع اللبناني بشكل مجرد.. فهذا الحل وخارج أي إطار سياسي يشكل أزمة جديدة داخل التداخل الجغرافي ربما يشبه إلى حد بعيد الواقع الذي كان سائدا على الحدود السورية – التركية قبل اتفاق أضنة، فالدولتين لم تكونا في حالة حرب، لكن مسألة أمن الحدود استدعت إجراءات استثنائية خلفت أزمت امتدت لأكثر من ثلاثة عقود.

عمليا فإن هذا "العامل" اللبناني في العلاقات السورية – الأوروبية يحتاج إلى قراءة الاستراتيجية الأوروبية التي بدا أنها أعادت ترتيب أوراقها بعد احتلال العراق، ومع تعامل الولايات المتحدة مع النظام السياسي الدولي عبر فرض الواقع، وهو ما جعل الدول التي وقفت بشكل قوي ضد الاحتلال إلى التعامل معه وفق أولوية جديدة تأخذ بعين الاعتبار ما خلفه قرار الحرب من انقسام أوروبي لم يهدد مباشرة بنية الاتحاد الأوروبي، لكنه عرضه لأزمة يجب أن لا تتكرر.

وفق هذه الصورة فإن العامل اللبناني بالنسبة لأوروبا له علاقة مباشرة أيضا بموقف الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الأوربيون حذرون من أي موقف ربما يخلق تناقضا قويا مع الإدارة الأمريكية، فتصبح اقتراحاتهم في الأزمة اللبنانية مستندة إلى إجراءات دولية، مثل تواجد القوات الدولية على الحدود مع سورية. بينما ترى دمشق أن مثل هذا الحلول لا تختلف عن الاستراتيجية الأمريكية إلى في طابع "منح" الشرعية الدولية لظهور أزمة جديدة.

بالطبع فإن العامل اللبناني كان حاضرا بشكل دائم في العلاقات السورية – الأوروبية، وربما علينا التذكر أن هذه العلاقات تدهورت بشكل واضح عام 1983 نتيجة هذا الأمر، لكن التوازن الإقليمي كان يتيح مساحة من التحرك الدبلوماسي لانفراجات واضحة سريعة، بينما يتحكم بالعامل اللبناني اليوم التواجد الكثيف للقوات الدولية في مختلف مناطق الشرق الأوسط، إضافة لترابط وتشابك الأزمات من العراق باتجاه لبنان وفلسطين.