يقول وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان دمشق ستعتبر نشر قوات دولية عند الحدود بين لبنان وسورية «اعلان حرب» ستقابله بإغلاق الحدود، وربما بإجراءات اخرى لم يشأ الافصاح عنها، غير انه تنبأ بحصول «انفجار» اذا ازداد الضغط الدولي من اجل نزع السلاح في لبنان. لكن اذا لم يكن البلدان «الشقيقان» في حال عداء تفضي الى اغلاق الحدود، وهذا طبيعي ومفترض بين دولتين يجمعهما الرابط القومي والوطني وسائر الشعارات الطنانة، فهل هما في حال وئام؟ الجواب هو بالطبع لا كبيرة ايضا. انهما بالأحرى في حال من «اللاسلم» ليس مضمونا الى اين ستصل بالبلد الصغير الذي لا يُنظر اليه سوى باعتباره ورقة اقليمية تطرح او تسحب كلما برزت مصلحة في ذلك أو ضمرت.

والعلاقة الحالية بينهما تمر في مرحلة انتقالية، بل يصح القول انتقامية: من الوصاية الكاملة والوجود العسكري المباشر المتحكم في تفاصيل الوضع الداخلي، كبيرها وصغيرها، الى سياسة التدخل بالواسطة والحدود السائبة والتسليح الكثيف والعرقلة السياسية والتعطيل المؤسساتي. أي إما الخضوع مجدداً لرغبات دمشق ومصالحها السياسية والاقتصادية، وإما الحصار والانفجار.

فسورية لا تزال على رغم خروجها من لبنان ضالعة في شؤونه ودواخل سياسته، وهي في «حال حرب» معلنة مع قسم كبير من اللبنانيين - رغم تأكيداتها بأن لبنان هو الذي يناصبها العداء - وفي حال تحالف معلنة مع قسم آخر منهم. وهي بعدائها لجزء من شعبه تكون تتدخل في اموره، وبتحالفها مع جزء آخر تتدخل فيه ايضا. واذا اعتبرنا ان هناك قسما ثالثا ليس معنيا بالحالين ويقف على الحياد، فهو بالتأكيد ليس مع السياسة السورية في بلده ولا مع تصورها لمستقبله ودوره.

أما من المسؤول عن وصول العلاقة بين الطرفين الى حاضرها الملتبس: انها في العادة مسؤولية مشتركة لأنه لا يمكن لطرف ان يكون مخطئا بالكامل ولا لطرف ثان ان يكون محقا بالكامل، لكن «الشقيقة» الكبرى، في حالنا المحددة، تتحمل الوزر الأكبر، لأنها عجزت عن الوفاء بالتزامات بالانسحاب قطعتها بموجب اتفاق الطائف وقررت ان تظل تعتبر لبنان قاصراً عن ادارة شؤونه بنفسه، ونسجت لهذا الغرض تحالفات داخلية تبقي الانقسام وتحول دون توصل الاطراف المحلية الى قاسم وطني مشترك يتيح تعايشا سلميا طويل الامد. وكانت كل الوقت تؤكد ان وجودها هو الذي يحول دون انقسام اللبنانيين واقتتالهم، بينما هي تشجعه في الواقع وتحرص على استمراره، لأن هذا الوجود يخدم وضعها الاقليمي والدولي.

قدمت سورية نفسها، ولا تزال، على انها كانت «تضحي» في لبنان وانها صاحبة المصلحة الاوسع في طيب العلاقة وحسن الجوار، والاحرص على استمرارها. لكن سياستها العملية فيه لم تخدم هذه الصورة، وأوصلت القسم الاكبر من اللبنانيين الى فقدان الثقة بها وبأهدافها الحقيقية، بعدما بدلت تحالفاتها أكثر من مرة وخاضت أكثر من حرب مع أطراف فيه، وعدلت قوانينه ودستوره مراراً بما يتلاءم مع تصوراتها، من دون حرص على سيادته ولا على مستقبله.

ان اي علاقة طبيعية وغير عدائية بين دولتين تفترض بالضرورة اعتراف كل منهما باستقلال الاخرى وخصوصياتها وعدم التدخل في شؤونها، فإذا كان مفهوم سياسة دمشق يقوم على ان لبنان هو الامتداد الجغرافي والسياسي لسورية وان لوجوده وظيفة اقليمية فحسب، واذا كانت تعتبر نفسها مسؤولة عن وضع ومستقبل جماعة فيه، فهذا يعني ان لبنان سيظل مرشحا لتلقي انعكاسات تجاذباتها الداخلية والاقليمية الى أمد غير منظور.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)