عندما كتبنا مقالتنا والمعنونة بـ"الطفولة الفلسطينية.. والقربان" كان الهدف والغاية منها أن نوجه رسالة للأخوة الفلسطينيين بأن من يدفع الثمن، في هذا الصراع الدامي بين الفصائل الفلسطينية وتحديداً بين حماس وفتح، هم أطفال فلسطين والناس البسطاء الذين يقعون ضحايا وقرابين نتيجة ذاك الصراع والعنف المسلح وبالتالي فالخاسر الوحيد في هذه المعركة الداخلية هي القضية الفلسطينية وليس آخراً. وهكذا فلم ندخل أو لم نقف عند الأسباب و(المبررات) والجهات التي تقف وراء تلك الفصائل وأجندتها وبالتالي تحريكها كبيادق في معركةٍ (ليس) لهم وكان الأجدى بهم أن يقفوا في صفٍ واحدٍ بدل أن يكونوا في مواجهة الذات و(رفاق) الدرب الواحد – على الأقل في هذه المرحلة – كونهما؛ (فتح وحماس) فصيلين أساسيين من الحركة الوطنية الفلسطينية – أو هكذا يفترض بهما – وهما بالتالي بحاجة ماسة إلى تنسيق الجهود والكلمة وليس الدخول في مواجهات دامية تعيد القضية الفلسطينية برمتها إلى المربع الأول، على الرغم من التضحيات الجسام والتي قدمتها ويقدمها الشعب الفلسطيني.

نعم.. تلك كانت الغاية والهدف من مقالتنا المذكورة سابقاً، ولكن وعندما وجه إلينا الصديق والزميل جورج كتن ملاحظته التالية: ".. المقال مفيد ولكن هناك ضرورة برأيي للحديث في مقال آخر عن الاسباب الحقيقية للصراع بين الطرفين والتي اعتقد انها ليست كما يصورها البعض, فقط صراعاً على السلطة, بل بالدرجة الاولى صراع بين برنامجين احدهما متخلف لا يهتم بالوقائع المحلية والاقليمية والدولية يقود الفلسطينيين لكوارث جديدة...وآخر يسعى لسياسة تراعي هذه الوقائع قدر الامكان للوصول لحلول سلمية واقعية لا علاقة لها بالايديولوجيا والتراث...لا يكفي ان نطالب بوقف الصراع وتحريم الاقتتال ولكن يجب ألا يغيب عن تحليلنا طبيعة الصراع والاعتراف بالاختلافات وتحويلها لخلافات سياسية تحل في اطار الحوارات والاحتكام للناس والانتخابات..". وهكذا دفعنا الصديق جورج أن نعود للموضوع مجدداً وندلي برأينا في مسألة الصراع الدامي والذي خرج إلى السطح في الأيام الماضية بين كل من فتح وحماس وراح ضحيتها العديد من القرابين.

بالتأكيد نتفق مع ما يطرحه الزميل جورج كتن بخصوص الأجندة والبرامج واختلافها وتبايناتها عند كل من الفصيلين الفلسطينيين المذكورين وهي بغير خافية على أحد، بل إن الكتلتين المذكورتين تؤكدان على ذلك دون مواربة وإن كان الواحد منهم يدافع عن أجندتها بأنها هي التي تخدم الواقع والقضية الفلسطينية وليس الآخر إلا تابعاً لقوى ومراكز خارجية يتم تحريكه من قبل تلك القوى والمراكز وفق مصالحها هي وليس خدمة للقضايا الوطنية الفلسطينية. لكن ومن خلال قراءة تلك الأجندة والاصطفافات التي تتم على ضوء تلك الأجندة والبرامج السياسية التي تعمل من خلالها يتبين جملة معطيات و(حقائق) موضوعية يمكن لمتتبع الأوضاع السياسية في المنطقة أن يستشف أدوار كل كتلة سياسية وما هو المطلوب منها (داخلياً وخارجياً) وهل تصب أجندتها تلك في خدمة قضاياها الوطنية أم هي ترتسم في دوائر المركز وبالتالي هذه الأحزاب والكتل السياسية ليست إلا أدوات ووسائل لتحريك وتفعيل برامج مراكز الدوائر تلك ورعاية وحماية مصالحها وأجندتها في المنطقة والعالم.

وحتى نخرج من العموميات فعلينا أن نسمي المسميات بأسمائها؛ حيث يلاحظ في الخريطة السياسية والتوزيع الأيديولوجي الفلسطيني، بأن الفصيلين الرئيسيين فيها (فتح وحماس) كلٍ منه يقع ضمن محور هو معادي للمحور الآخر أو على الأقل لا تتفق مصالحهما في هذه المرحلة وبالتالي فأحدهم في نظر الآخر هو "الشيطان الأكبر" (أمريكا في نظر إيران) وبنفس الوقت إيران في نظر أمريكا يقع ضمن "محور الشر" وهكذا فكلٍ منهم يمثل (القطب) الآخر الغير مقبول سلوكاً وبرامجاً ويعمل على تغييره وإسقاطه وإن كان واحداً قادراً على الفعل (أمريكا) والآخر يبقى (فعله) في مستوى توتير الأجواء ووضع العراقيل في وجه مشروع الأول عالمياً (أمريكا مع الحليف الأوربي). وهكذا فـ(حماس) ليس إلا جزءً من المشروع الإيراني السلفي – نظام الملالي – في المنطقة والتي تعمل على تصدير (الثورة الإسلامية) من خلال أدواتها وفروعها في المنطقة كحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان بالإضافة إلى بعض التيارات والجماعات الإسلامية الشيعية التكفيرية في العراق.

ومعلومٌ أيضاً أن مشروع إيران مع هذه الجماعات السلفية الإسلامية غير خافٍ على أحد، بل تعلنها وتعمل بها عبر أجندتها وبرامجها السياسية ذات الطابع الديني وما تطبيقها لنظام الملالي في إيران إلا جزء من مشروعها السياسي – الديني في العودة إلا الوراء وتطبيق الشريعة والأحكام الإسلامية ومن منظور (ولاية الفقيه). وبالتالي العودة بالمجتمعات إلا ما قبل التاريخ الحديث ومفاهيم المدنية ودولة القانون والمؤسسات والمبنية على العدل والمساواة واحترام الرأي الآخر وقبوله. وهكذا الحكم على هذه المجتمعات بمزيدٍ من القيود والوثاق والتي تعيق الحركة؛ حركة المجتمع إلى الأمام والوقوف عند لحظة معينة (زمن الوحي والحقيقة الكاملة المطلقة) وجعله النهاية الحتمية للكمال والمطلق وبالتالي فـ"لا اجتهاد مع النص" وما علينا إلا الإيمان الكامل بما نزل وما نطق وينطق به "السيد والفقيه" وكل من يخالفه أو يناقشه فله (الويل وبأس المصير والجحيم) "خالدين فيها أبدا".

وهكذا وحسب المنهجية والعقلية السابقة فلا حوار ولا قبول للرأي الآخر المخالف – فتح في هذه المعادلة – فهو مرفوض من قبل إيران وذراعه (حماس) في فلسطين، مع العلم أن (فتح) هو الذي رضي بإجراء انتخابات حرة وديمقراطية في الشارع الفلسطيني ولم يلجأ إلى سياسات القمع والاستفراد بالحكم مقلداً في ذلك أنظمة الحكم في المنطقة؛ بأن يكون "قائداً للدولة والمجتمع" حيث تلك ليست في منهجية (فتح) والتي تعمل لبناء دولة مدنية فلسطينية قائمة على الهيكلية المؤسساتية وفق مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية المعمول بها؛ أي من خلال سياسة عقلانية موضوعية. وبالتالي فالخلاف القائم بين الجبهتين؛ فتح وكل القوى الديمقراطية من جهة ومن الجهة الثانية إيران ومن يدور في فلكها من القوى السلفية كحماس وغيرها، ليس خلافاً وصراعاً على السلطة فقط بقدر ما هو اختلافٌ في الأجندة والبرامج السياسية.