النهار / رنده حيدر

استحقاقان اساسيان أخذا الحكومة الاسرائيلية على حين غرة، وهي غارقة في منازعاتها الداخلية: القرار الأميركي المشاركة في المؤتمر الاقليمي الذي سينعقد في بغداد بمشاركة سوريا وايران للبحث في مستقبل العراق؛ ومؤتمر القمة العربية المقبل الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والذي من المنتظر ان يعيد احياء المبادرة العربية للسلام وقوامها مطالبة اسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة مقابل التطبيع الشامل للعلاقات العربية معها.
ورغم معرفة الحكومة الاسرائيلية ان المؤتمر الاقليمي لن يتطرق الى مشكلة اسرائيل مع الفلسطينيين في الاراضي المحتلة ولا مع "حزب الله" في لبنان، فان التحول في الموقف الأميركي من كل من ايران وسوريا هو الذي يثير قلقها وتساؤلاتها.
تتخوف اسرائيل من ان تؤدي عودة الحوار ولو غير المباشر بين الادراة الأميركية وإيران بصورة خاصة الى اضعاف الموقف الأميركي وتالياً الدولي المتشدد من سعي ايران للحصول على السلاح النووي. كما يتخوف الاسرائيليون من ان ينجح المشاركون في المؤتمر الإقليمي في التوصل الى صيغة تعاون مع الايرانيين من اجل احلال الهدوء في العراق استعداداً لانسحاب القوات الأميركية من هناك وهو مطلب اساسي لمجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين. فمثل هذا من شأنه في رأيهم ان يأتي على حساب اسرائيل التي تقوم حالياً بحملة دولية لتجنيد دول العالم ضد ايران واقناعها بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها. ولا يريح اسرائيل ان تعاود الادارة الاميركية حوارها مع سوريا، وهي التي كانت حتى وقت قريب تتشدد بمطالبة اسرائيل بعدم الاستجابة لدعوات الاسد معاودة المفاوضات السياسية.
واذا كان ما يترتب عن المؤتمر الاقليمي لا يلزم اسرائيل بشيء؛ فان القمة العربية المنتظر انعقادها في الرياض قد تشكل تحدياً مهماً لحكومة اولمرت التي ستضطر عاجلاً ام آجلاً الى اتخاذ موقف من المبادرة للسلام التي ستتبناها على الارجح الدول العربية المشاركة.
واللافت للإنتباه انه حتى الآن لم تجتمع الكنيست الاسرائيلية لمناقشة مضمون المبادرة العربية، ولم تخصص الحكومة جلسة للبحث فيها. الموقف الرسمي الاسرائيلي الوحيد من الأفكار العربية هو ما جاء على لسان وزيرة الخارجية تسيبي ليفني الاسبوع الماضي والذي ظل غامضاً الى حد ما. فوزيرة الخارجية لم ترفض المبادرة علناً ولكنها ايضاً لم توافق عليها وطالبت بادخال تعديلات وتغييرات على بنودها لا سيما البند المتعلق بتطبيق قانون العودة للاجئين الفلسطينيين.
ولكن تتبع المواقف الاسرائيلية عن كثب منذ بدء السعودية وساطتها مع الفلسطينيين وصولاً الى اتفاق مكة الداعي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين "حماس" وحركة "فتح" ووصولاً الى اعادة احياء السعودية للمبادرة العربية للسلام، يظهر مدى الرفض الاسرائيلي لهذه المبادرة التي ستفرض على اسرائيل عدداً من المسائل التي لا تريدها حالياً وفي طليعتها: الاعتراف بحكومة تقيمها "حماس" التي تقول انها لم ولن تعترف بوجود اسرائيل، والاعلان عن قبولها الانسحاب من هضبة الجولان؛ والاهم العودة من جديد الى اثارة موضوع تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم، وهذا امر ترفض اسرائيل رفضاً باتاً مناقشته وتعتبر انه يهدد وجودها تهديداً مباشراً، لأن القبول بمبدأ حق عودة اللاجئين الى داخل اسرائيل معناه تحويلها من دولة لليهود الى دولة ثنائية القومية والقضاء على الدولة العبرية.
لذا سترفض اسرائيل على الارجح القبول بالمبادرة العربية وستعمل على عرقلة تنفيذها واحباطها. ورغم ذلك هناك عدد من الاصوات داخل اسرائيل تنادي بضرورة اعطاء السعودية فرصة لإنجاح مساعيها، فاذا لم تستطع المبادرة العربية ان تحيي العملية السلمية المتوقفة منذ أعوام فان لها ايجابيات اخرى لا تضر بالمصلحة الاسرائيلية، منها تعزيز معسكر الدول العربية المعتدلة وكبح صعود النفوذ الايراني في المنطقة. هذه الاصوات تعتبر انه اذا لم يتم التوصل الى تسوية سلمية فربما يمكن التوصل الى اتفاقات اقليمية لـ"ادارة الازمات" من غير طريق القوة.