لا بد من مقدمة اعتيادية: كأن نقول هيلوت شميدت مستشار المانيا الاسبق ، ومن ثم نقول ان السياسيين عندهم لا يتحولون الى متقاعدين يجوبون المقاهي والمنتجعات او يتلظون في غياهب النسيان ،ومن بعدها نقول انه تحول او عاد الى كونه مثقف واكاديمي ..والخ .

وهيلموت شميدت علامة اساسية في سجل نهوض المانيا بعد الحرب الثانية مفكر ترك منصبه ولم يترك مسؤولياته وايضا الخ . يحكي اليوم في كتاب اصدره عن العولمة ، البعبع الذي لما نزل نشتمه نحن عن بعد ، فيرى ان العولمة ليست وليدة المعاصرة وانما هي نتيجة علاقة منتج / مستهلك الازلية وتطوراتها المطردة ، مدخلا القيم الاميركية الاخلاقية والعملانية في صلب حرف العولمة عن مؤسسات ( بكسر السين !!) العيش السليم في هذه القرية الكونية التي تسمى الكرة الارضية .

وعلى الرغم من قناعة شميدت بأن الوحشية الاستهلاكية هي ما يحكم تطبيقات العولمة الا انه يأمل بعالم متوازن في الانتاج والاستهلاك ، بما يشبه توازن الرعب في الحرب الباردة ولكن بأخلاق انسانية جديرة بالاحترام ، فينظر الى دخول الدول الاسيوية (نمور آسيا) بمودة خائفا عليها من التلوث الوحشي لأخلاق انجاز الربح بأية وسيلة ، هذه (الأية وسيلة) هي ما تقودنا مباشرة الى الدماء والحروب الحقيرة الناشئة عن التعصب والطائفية والشوفينية ، محملا العبىء الاخلاقي في الاداء وفي النية الى المنتجين الاكبر في العالم ، معتبرا ان الدفاع عن النفس هو خطوة معكوسة في الارتقاء الوجداني ، فروسيا والصين واروبا الموحدة هي قوى عالمية توازي او تتغلب على قطب العالم الاوحد ، ولكن هذا القطب يوجه الجدل ثقافيا كي يكون عنيفا بل ودمويا ( هنتيغتون مثالا ) حيث يقترح بديلا عولميا لقيمة التسامح العالية ، ليس التوجه الضرورة الى فهم الآخر وهو المرحلة ارقى في عملية التسامح وانما القبول به في عملية الانتاج ، رافضا مقولة هنتيغتون حول واحدية الانتاج الغربي ، فهناك اقوام مرشحة دوما لدخول دائرة الانتاج وليست بالضرورة ذات ثقافة غربية مثل الهند وفييتنام والبرازيل ، فالثقافة المنتجة ليس تنائية او ثلاثية القطب فالعالم يعج بالثقافات والمعتقدات ولا مجال لترك المعتقدات في حالة اثبات الذات في ظل العولمة ، فهذه الحالة التي تنظلق من الشعور القاهر بالظلم تقود الى الدفاع العنيف عن الذات وهنا تقبع الهنتغتونية الاميركية فهي دائمة التحدي للآخر حماية لمصالحها التي يمكن ان تكون وحشية في اية لحظة ، لتنشأ عنا لحظة تربوية ترد الصاع صاعين دون الالتفات الى مقاصد القيم التي تعطي بني الانسان الامان والقدرة على الانتاج .

هل من ضرورة لنسأل عن موقعنا ؟ اننا في لحظة ارتباك حضارية ، تستنزف جهود الانتاج منا وتحولها الى عنتريات في فوبيا الدفاع عن الذات .