يستشعر الشعب البريطاني بقلق شديد نذر حرب عالمية ثالثة يمكن أن يشعل نيرانها الأميركيون والإسرائيليون بمساعدة رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير! هذا ما أعلنه النائب البريطاني الحرّ جورج غالاوي في حديثه إلى وكالة يونا تيدبرس أنترناشيونال (26/2/2007) وقد جاءت أقوال غالاوي في معرض تناوله للعمليات العسكرية الدائرة في عدد من البلدان العربية والإسلامية، التي يراد لها أن تمتدّ لتشمل لبنان وسورية وإيران وغيرها. غير أن الحرب ليست مجرّد العمليات العسكرية! إن الاشتباك المسلح هو وجه الحرب العنيف الذي لا يحجب وجوهها الأخرى، وهي وجوه لا تقل تدميراً، سواء أكانت مادية أم معنوية! وهكذا فإن الحرب العالمية بهذا المعنى قائمة حقاً وفعلاً في جميع القارات، وما يخشاه البريطانيون هو انتشار وجهها العنيف في العالم، أي العمليات العسكرية، خاصة وأنهم لا يعانون مثل أمم الجنوب من وجوهها الأخرى التي لا تقل فظاعة!

والآن، إذا كانت أمم الشمال تخشى انتشار العمليات العسكرية ووصولها إلى بلادها، فما الذي تخشاه أمتنا مما لم يقع في بلدانها بعد؟ أليس ما يخشاه الآخرون هو انتقال ما يحدث في بلادنا إلى بلادهم، وهي خشبة مفهومة ومشروعة؟ فما بال البعض في بلادنا يتحدث عن الحرب بصيغة الحدث المستقبلي الذي لم يقع بعد؟ هل لأن دويلته، أو مدينته، أو بلدته، في منأى؟ هل لأنها لا صلة لها بميدان العمليات العسكرية ويمكنها تجنب نيرانها المباشرة؟ أم لأنه يعتبرها بعيدة جغرافياً، مثلها مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة؟! إن تصرفات هذا البعض تبدو مثلما لو أن الاشتباكات العسكرية الميدانية نشبت في جنوب الوطن الواحد ، فاعتبر سكان شماله أنفسهم غير معنيين بها وأنهم خارجها!

* * *

في الواقع، إن العرب في أتون الحرب بجميع وجوهها، ومعاناتهم التاريخية الرهيبة بجميع أشكالها وألوانها نابعة من هذه الحقيقة. إنهم في خطوط القتال العسكرية الأمامية، وفي الخطوط الخلفية التي تليها متوالية من الخليج إلى المحيط، حيث امتداداتها غير المباشرة التي لا تقل تدميراً، وليس أكثر حمقاً من ذاك الذي يتصرف كأنه في انتظار الحرب، وكأنما هو لا يزال خارجها!

إن الحرب قائمة على قدم وساق، في كل الأقطار والأمصار العربية، روحياً ونفسياً وفكرياً، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أمنياً وعسكرياً، وإن تجاهل ذلك كله، واعتبارها لم تقع بعد بينما نحن نخوضها، يمكن أن يساعد العدو على ربحها ويدفعنا إلى خسارتها ومن ثم إلى خسارة وجودنا من أساسه!

إن ما يجب أن يكون واضحاً تماماً هو أن مصيرنا لن يكون سوى مصير فلسطين والعراق شئنا أم أبينا، فإن هلكا هلكنا وإن نجيا نجونا! لكن تحالف الخيانة والجهل والانتهازية يعرض المشهد مقلوباً مشوّهاً، ويحاول إقناعنا بأعداء مختلقين وبأخطار إقليمية لا أساس جدّي لها، محاولاً تبديد قوانا الجمعية العربية والإقليمية، وتوجيه نيراننا إلى بعضنا بدلاً من توجيهها إلى العدو المركزي التاريخي الأميركي الصهيوني!

* * *

لقد عانت بلادنا عشرات السنين من الأوهام التي أشاعها تحالف الخيانة والانتهازية والجهل، فكان هذا التحالف يتستّر مثلاً على الأعداء ويقدّمهم كأصدقاء! ويحارب الأصدقاء ويصوّرهم أعداءً! فاعتبرت الولايات المتحدة منذ أربعينات القرن الماضي صديقاً ونصيراً وملاذاً للحرية، بينما اعتبر الاتحاد السوفييتي عدواً لدوداً! وقد زال الاتحاد السوفييتي الذي إن لم يكن صديقاً فإنه لم يكن عدواً قطعاً، وها هي الولايات المتحدة تنتقل في حربها المفتوحة ضدّنا إلى مرحلة العلن والاحتلال المباشر، وتتفنّن في قتلنا وتدميرنا ونهبنا وتحقيرنا، ولا تتوقف عن تحريك قاعدتها الصهيونية ضدنا أكثر فأكثر، وعندما تتعثر وتتخبط في عملياتها العسكرية الميدانية أمام صمود المقاومة العراقية الباسلة يهب تحالف الخيانة والانتهازية والجهل لإقالتها من عثرتها، ويلبي نداءها في إعلان الحرب العربية العامة ضدّ إيران وسورية وحزب الله وحماس، علماً أن إيران إن لم تكن صديقاً فإنها لا تستطيع أن تكون عدواً حقيقياً أبداً، على الأقل لأن حالها من حالنا، ومعاناتها التاريخية من معاناتنا، وإمكاناتها مثل إمكاناتنا بل أقل، ونستطيع أن نقول بكل ثقة، ومهما بلغت الأخطاء، أن مصيرها بدورها هو مصيرنا، إن هلكنا هلكت وإن نجونا نجت!

* * *

لقد مضى حوالي نصف قرن وتحالف الخيانة والانتهازية والجهل يمارس تضليله المدمّر الذي تكفّل بإبقاء الأمة كابية غير قادرة على النهوض، غير أن الحال تغيّر بفضل التطور غير المرئي الذي طرأ على البنية الداخلية للأمة، نتيجة للتراكم الكمّي على الأقل، وإذا بهذا التراكم الكمّي يتحوّل إلى هذا التطور النوعي، الذي عبّر عن وجوده لأول مرة في انتفاضة أطفال الحجارة الفلسطينيين، ثم في المواجهات المظفرة في العراق ولبنان، والصومال والسودان وأفغانستان!

إن الأمة مجمعة اليوم على تحديد عدوها التاريخي وطبيعة معاناتها التاريخية، ولن يستطيع أحد على الإطلاق إقناعها بأن العدو هو إيران أو تركيا أو أثيوبيا، مهما ارتكبت هذه الدول من أخطاء وأفعال، وهي أخطاء وأفعال إن وقعت فلا تزيد بأي حال من الأحوال عما ترتكبه بعض الأنظمة العربية على مدار الساعة ومنذ عشرات السنين!