ينعقد مؤتمر دول الجوار العراقي في بغداد اليوم مع انقضاء ما يقرب من شهر على خطة نوري المالكي الأمنية المسماة (فرض القانون)، زادت فيه العمليات وارتفع فيه عدد القتلى والجرحى على الجانبين، العراقي والأمريكي، وظهرت بغداد ككل المدن العراقية الأخرى أبعد ما تكون عن القانون وسيادته، وعن الأمن وفرضه. وفي هذه الأثناء، ظهرت حكومة المالكي أنها أضعف وأكثر إفلاسا من أي من الحكومات التي سبقتها والتي نصبها الاحتلال. في الوقت نفسه، يتزامن انفلات العنف وغياب أي قدر من (فرض القانون) مع انفراط عقد أطراف ما يسمى (العملية السياسية)، بعد تعرض ميليشيا جيش المهدي للمداهمة والاعتقال على أيدي القوات الأمريكية والعراقية، وأيضا بعد إعلان انسحاب حزب الفضيلة من كتلة (الائتلاف الموحد)، وتشكيل (جبهة جديدة) من قائمة إياد علاوي وجبهة التوافق وجبهة الحوار الوطني، وكل ذلك يؤكد أن إدارة جورج بوش وقوات احتلالها والحكومة التي علقت عليها الآمال، كلها اليوم أكثر عجزا من أي وقت مضى عن “إنجاز المهمة” التي ما زال بوش يزعم أنها تتقدم.

هكذا تأتي التطورات الميدانية في بغداد والعراق عموما، لتثبت أن الفكرة الكامنة وراء الدعوة لعقد مؤتمر بغداد هي تفاقم الوضع وابتعاده أكثر عن السيطرة، وعجز إدارة بوش وقوات الاحتلال وأدواتها عن ضبط هذا الوضع، وحيث يصبح الهدف من عقده واضحا، وهو ترحيل وتحميل هذا العجز لجهات وأطراف أخرى وإبقاء اللعبة بين أقدام اللاعبين الفاشلين، هربا من إعلان وحيد منتظر يتعلق بهزيمة صريحة للمشروع الأمريكي في العراق والمنطقة.

من جهة أخرى، يأتي انعقاد هذا المؤتمر اعترافا ضمنيا بضعف موقف بوش وإدارته أمريكيا، وسواء اعترف بوش أو لم يعترف بأنه يخضع، عبر مشاركة مندوب عن إدارته في المؤتمر، لبعض من توصيات تقرير بيكر-هاملتون، فإن هذه المشاركة تأتي دليلا على هذا الخضوع، بالرغم من أنها قد لا تعني شيئا إن لم يتمخض عنه شيء غير مجرد الجلوس على طاولة واحدة إلى جانب الإيرانيين والسوريين. وإذا أضفنا إلى ما قلناه ما قالته إدارة بوش، من أنه إن لم ترض عن نتائج هذا المؤتمر فإنها لن تشارك في المؤتمر الثاني الذي سيعقد في بغداد أيضا بحضور الدول المانحة، يصبح من التفاؤل غير المبرر تصور أن المؤتمر سيتمخض عن شيء غير الكلام الذي لن يجد ترجمة له.

فالنتائج مرهونة بما يمكن أن تتوصل إليه الأطراف من توافق على الأهداف. والأطراف كما هو معروف هي: إيران وسوريا والولايات المتحدة، وليس ممكنا ذكر العراق كطرف مستقل لأنه متضمن في الطرف الأمريكي وممثل له في الوقت نفسه. أما الهدف المعلن فهو (أمن العراق)، وبالنسبة لإيران، قالت إدارة بوش إنها لن تناقش في المؤتمر أية صفقات مع إيران بخصوص ملفها النووي.

في هذه الحالة من العبث تصور إيران مستعدة لتقديم أية مساعدة تخفف من المأزق الأمريكي.

أما سوريا، فهي ليست جهة فاعلة في ما يشهده العراق من تطورات، ولا مصلحة لها أيضا في المساعدة على تخفيف المأزق الأمريكي، خصوصا إن كان لإيران رأي بعدم التخفيف. ماذا يبقى إذن من عناصر التوافق بين الأطراف الثلاثة؟

هناك من يقول إنه لا أهمية لما تعلنه إدارة بوش، وفي مأزق كالمأزق الأمريكي لا بد من عقد الصفقات للوصول إلى نتائج، وبالتالي لا بد أن تعرض واشنطن شيئا ما على طهران لتقبل مساعدتها، ويمكن أن تكون الصفقة بعيدة عن الملف النووي وقريبة منه في الوقت نفسه، كأن تعد بتأجيل استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يشدد العقوبات، وبقبول العودة إلى المفاوضات. وإذا كان ذلك ما يمكن تقديمه لطهران، فماذا يمكن أن يقدم لدمشق؟ هنا تبدو المسألة أصعب إذ لا مجال لافتراض أن واشنطن مستعدة لإبعاد أصابعها عما يجري في لبنان، أو لدفع “إسرائيل” للتفاوض على الجولان.

لذلك نقول إنه لا أفق مفتوحاً أمام مؤتمر بغداد ولن يحقق شيئا على الصعيد العملي لأنه يتوسل الحلول من غير أصحابها ومصادرها الحقيقية.

إن المأزق الأمريكي في العراق لن يجد مخرجا حقيقيا إلا برؤية واقعية تقبل بوجود المقاومة وإنهاء الاحتلال، وسبيل ذلك وضع جدول لانسحاب القوات المحتلة وإعلان الاستعداد للتفاوض مع المقاومة الوطنية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)