مؤتمر بغداد ينقلنا بشكل سريع على مجال زمني يمتد لأربع سنوات من الاحتلال أو العنف، فما حدث في العراق لم يكن يحمل أي نوع كلاسيكي للأحداث السياسي، فهو ظهر خارج مألوف التكوين الدولي، فالانقسام الذي خلفه قرار الحرب لم ينتج عنه توتر دولي متصاعد، كما حدث في تجربة "عصبة الأمم" في النصف الأول من القرن العشرين، فعدم وجود توازن دولي حال دون أن يصبح الاحتلال مرحلة من الصراع الدولي العسكري... رغم ذلك فإن العراق سبب أزمة على مستوى "السياسة الدولية" عموما. فالحرب دفعت الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا على البحث من جديد في موضوع "التوازن الدولي" الذي اختل بشكل واضح منذ تسعينيات القرن الماضي.

ومع الاجتماع الذي يعقد في بغداد فإن رغبات الدول الموجودة لن تكون عاملا حاسما في نجاح المؤتمر أو اخفاقه، فالأمر الثابت أن دول الجوار تضررت بدرجات متفاوتة من الاحتلال، ومخاوف التقسيم اصبحت هاجسا داخل الشرق الأوسط عموما. لكن العراق في نفس الوقت يشكل نموذجا مصغرا لاختلال موازين القوى الدولية، حيث يتم الاجتماع بوجود "الولايات المتحدة" التي لم تطرح حتى اليوم أي آليات جديدة تجعل من الخيارات المتاحة أوسع من الشأن العسكري، أو شبح الحرب الطائفية. وهذا الوجود بذاته يخلق تحفظات واضحة في مجال الاقتراحات، فالدول المجتمعة ليست منفسمة فقط، بل بينها من الاختلافات ما يصل إلى درجة القطيعة، وهو ما يجعل "سورية و "إيران" على سبيل المثال في مواجهة "السياسة الأمريكية" التي أوقفت أي شكل للحوار معهما.

بهذه الصورة فإن مؤتمر العراق ينعقد على القاعدة القديمة التي أنشأتها الولايات المتحدة منذ بداية مشروع احتلال العراق، فهناك سياسة تنقصها "مساحة" واضحة لا علاقة لها بالرغبات في السلام والأمن وعدم التقسيم، وهذه المساحة مشغولة بـ"الأمر الواقع" الذي تفرضه قوات الاحتلال والميلشيات وقوات المرتزقة. ووفق هذه المعادلة فإن الولايات المتحدة تعود في المؤتمر اعتماد استراتيجية توزيع المسؤوليات، بدلا من تحمل مسؤولياتها كقوة احتلال. وهو امر ليس بجديد حيث ظهر في تقرير بيكر – هاميلتون الذي لم تتبناه الإدارة الأمريكية، لأنها لا تريد مع "تحميل" دول الجوار مسؤوليات" أن تتعامل بشكل مباشر معهم لتسهيل مهامهم. ومن هذه الزاوية فإن المؤتمر ينعقد مع عدم وجود تصور للآليات التي يمكن أن تساعد العراق على الخروج من أزمته، بينما تملك الولايات المتحدة رؤية في تقسيم الأدوار.

المؤتمر لا يمكن الحكم عليه بمنطق النجاح او الفشل، فهو أساسا لا يحمل مهام واسعة في هذا المجال، لكنه في نفس الوقت يجعل الشرق الأوسط مشدودا إلى العراق بالدرجة الأولى عوضا عن أي مسألة أو أزمة أخرى.