يشعر كل من سورية وايران حاليا بأن المرحلة الصعبة باتت وراءه. ويُظهر الجانبان ثقة متزايدة بأن تحالفهما تجاوز التهديد الكبير الذي واجهاه مع بداية الغزو الاميركي للعراق. ولم يعد أي منهما مضطرا الى سماع لائحة مطالب اميركية للتنفيذ فحسب، على طريقة ما فعله يوما كولن باول. او كما بدا لدى سحب سورية جيشها من لبنان. وعندما انتشرت القوات الاميركية على الحدود مع ايران.

المواجهة لم تحسم نهائيا بعد بين التحالف السوري - الايراني والولايات المتحدة واسرائيل. وما زال محور الاعتدال العربي يتلمس دروب تحويل هذا التحالف من موقع المعترض على كيفية حل الازمات العراقية واللبنانية والفلسطينية. وإن كانت التكتيكات، قبيل القمة العربية في الرياض، تفرض حدا من تخفيف حدة لهجات التخاطب وإعلان حسن النيات.

النظامان في سورية وايران يعتبران انهما يكسبان ما دامت التطورات لا تؤدي الى سقوطهما. ومن هنا نظرية الصمود والرهان على الوقت. لذلك يبرع الاثنان في إدارة الازمات. لأن، في البلدين، لا فرص لتبادل سلمي للسلطة ولا قدرة على المحاسبة في الاداء الداخلي. فلا تكون الانتخابات حصيلة للرضى الشعبي عن سياسة السلطة وأدائها في الاقتصاد ونسب التنمية والرفاه للمواطن، وإنما إعادة إنتاج للنظام نفسه وإعادة إنتاج للسياسة نفسها، ليرتبط النظام وسياسته ارتباطا عضويا. وما دون ذلك يشكل قضية حياة او موت.

في موازاة ذلك، يخضع الخصم لأحكام اللعبة الديموقراطية التي تحدد في الزمن قدرته على الاستمرار في السلطة، وتحدد سياسة السلطة البديلة القادمة عبر الانتخابات. وتتخذ المصالح عنده وكيفية الدفاع عنها اشكالا مغايرة في التعامل مع الازمات.

واذا كانت سورية، مثلا، اعتبرت ان التهديد الذي واجهته ارتبط بعدوانية بوش ودعمه لاسرائيل وبشخصنة شيراك للعلاقة معها، فان الاول بات يبحث عن الحلول قبل الخروج من الرئاسة السنة المقبلة، والثاني قد يعلن اليوم عزوفه عن الترشح، ما يجعله يترك الاليزيه بعد اسابيع قليلة. لذلك يعتمد الثنائي السوري - الايراني سياسة الصمود، في الاوقات الصعبة. وسياسة الهجوم عندما تتصدع سياسة الخصم.

ومرحليا، يستفيد الجانبان من الصعوبات الداخلية الاسرائيلية وتفكك الطبقة السياسية المرتبط، والتفتيش عن قيادة تستعيد ثقة الجمهور. وذلك نتيجة مضاعفات الحرب على لبنان. وتستطيع سورية وايران اللتان اعتبرتا نفسيهما عرابتي المقاومة في وجه الحرب ان تسجلا لمصلحتهما كثيرا من النقاط السياسية. ليس فقط في مجال إلحاق الخسائر باسرائيل عند المواجهة، وإنما ايضا تأكيد الحضور الضروري في حالات التفاوض.

ومع الازمة السياسية التي نشأت في لبنان نتيجة هذه الحرب، استعادت دمشق دورها واعلنت طهران حصتها. وأكثر من ذلك، استعاد الجانبان الاعتراف بهما، اقليميا ودوليا، كعاملين مؤثرين في المعادلة وكممر لا بد منه في السعي الى الحل. حتى شيراك لم يعد قادرا على منع التحرك الاوروبي نحو دمشق، وحتى بوش بعث بمسؤولة رفيعة الى دمشق. وما كان ممكنا ان يُستعاد الحوار اللبناني - اللبناني الا بالاعتراف بالموقع السوري - الايراني، وتاليا مصلحة هذا التحالف.

في موضوع النووي الايراني الذي تعتبره دمشق ظهيرا لها، سياسيا على الاقل، تتعثر المفاوضات الدولية بما يعطي ايران قدرة على التحرك والمناورة. فجاء تضارب المصالح بين الاوروبيين من جهة والروس والصينيين من جهة اخرى والاميركيين من جهة ثالثة، ليجعل من العقوبات السابقة والمحتملة ادوات ضغط سياسي وليس ردعا عن الاستمرار ببرنامج قد يصل الى الاستخدام العسكري.

وبغض النظر عن التصريحات الاميركية التي تحاول ان تقول ان شيئا لم يتغير، يكفي ان تكون سورية وايران طرفين اساسيين في المؤتمر الدولي حول العراق وفي بغداد، ليظهر الاعتراف بأن البلدين اللذين كان لهما دور اساسي في الغرق الاميركي في المستنقع العراقي ضروريان في اي تهدئة واستقرار.

وفي الحالات كلها، لن تكون ادوار سورية وايران في تسهيل الحلول مجانية، وانما سيقبض الجانبان ثمنها بإعادة الاعتبار لمواقعهما ولمصالحهما على امتداد المنطقة. ولا يهدد هذا الاعتراف الا تعرضهما الى ضربة قاضية، لا تبدو هناك حاليا اي مؤشرات الى حصولها.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)