لم تكن المسألة استبيانا مستوفيا للشروط العلمية، لكنه كان نوعا من الفضول الذي يدفعنا احيانا إلى تجاوز الفكرة المزروعة في الأذهان، وطرح أسئلة على أي عابر سبيل، فنحاول عبر إشارات الاستفهام أن ننفي ما هو "معروف" بالنسبة لنا.. وعبر اللقاءات السريعة التي تشبه اللقطات التلفزيونية المتتالية كانت معظم الإجابات عن "الدور التشريعي القادم" أو "مجلس الشعب" لا تثبت "القناعات" بل تطرح امامنا مدى التعقيد الذي تكتسبه عمليات الانتخاب..

عمليا فإن الأسئلة التي تم طرحها لم تكن تحمل مجالا للاجتهاد، وفي نفس الوقت ليست اختبارا للمعلومات، فهي فقط محاولة لاقناع انفسنا بالدرجة الأولى أن ما يسود المجتمع السوري ليس "أمية سياسية" أو غياب "معرفي".. بل نوع من استبدال المسائل وعلى مستويين:

الأول: استبدال الصورة العامة بكل ما هو شخصي... فعدم المعرفة او الحياد يتم إلحاقها بالظروف المعيشية، علما أن هذه الظروف هي وليدة انتهاء الشأن العام في حياتنا واستبداله كليا بـ"الخلاص الفردي".

الثاني: استبدال الهم الاجتماعي بالسياسي، فأي حديث يمس الحياة العامة يتحول إلى موضوع سياسي بامتياز، وهو ما واجهناه في مسألة مجلس الشعب الذي من الوجهة النظرية على الأقل سلطة تشريعية ولا علاقة لها بخط "مواقف سياسية". ورغم أن السياسة تتداخل في كل الأمور، لكننا من الناحية العملية يمكننا أن نتعامل مع التشريعات كحالة تمس تفاصيل الحياة، وليست "مواقف" اعتدنا على تعميمها بشكل مطلق لتأخذ مفهوم الحياة السياسية.

بالطبع فإن "خطورة ما نواجهه اليوم هو ان مسألة التشريع والمحاسبة تحتاج بالدرجة إلى إلى تحرير هذه المفاهيم في المجتمع، فمهما كانت الظروف التي يمكن ان تحدث فيها الانتخابات، لكنها في النهاية تمتلك مساحة داخل القوانين والدستور وحتى الحياة السياسية السورية، وإذا كانت ردود فعل بعض المواطنين الذين سألناهم أسئلة سريعة عن مجلس الشعب أوحت باختلاط المفاهيم واستبدالها، فإن الأحزاب السياسية الموجودة داخل المجلس عليها التعامل بجدية مع هذا الأمر. على الأخص تلك التي دخلت حديثا إلى المجلس...

وتبقى المسألة أعقد من اقتراح حلول سريعة أو افتراضية.. فتحسين الأداء الانتخابي لا يمكن أن يتم عبر تعامل طرف واحد او مجموعة اطراف، لأنه يحتاج بالفعل إلى إعادة صياغة "الاتصال" بين المرشح والناخب، حتى يشعر الأخير بأهمية العملية الانتخابية التي يقبل عليها أو ربما تمر عليه بشكل عادي رغم أنه شارك فيها وتعامل مع نتائجها بشكل مباشر.