عندما أعلن عدد من النشطاء السوريين عدم المشاركة بالانتخابات فإنهم فتحوا سؤالا ينطلق أساسا من "الجمهور الناخب"، فالإيحاء بعدم المشاركة يشير على الأقل بالتأثير على هذا الجمهور، أو على الأقل بالاهتمام به أو التعامل معه كـ"مشروع" يتطور..

لكن مسألة "الناخبين" لا تبدو مختلطة عند حدود مجموعة محددة في الخارطة الاجتماعية السورية، فمن الحملات الانتخابية السابقة يبدو واضحا ان أي مرشح يخاطب الجميع، ويطرح نفسه أمام كافة الفئات، وربما يعتبر أنه قادر على التعامل مع كافة المصالح أو أنه يملك "كلية" في التمثيل تدفع أي شخص لانتخابه..

ولا تحمل هذه النظرة محاولة لعدم التعامل بجدية مع الناخبين، بل أيضا إهمال لتعدد المصالح الاجتماعية، والانطلاق من عمومية العناوين أو الاعتماد على الدولة ومؤسساتها في هذا الموضوع.. فالمرشح لا يتعب نفسه في "تجزئة" الجمهور حسب تعبير الإعلاميين، وذلك ضمن افتراض أن العملية الانتخابية هي مساحة لجمع الأصوات فقط، أو الظهور ضمن قوائم قادرة على خلق توافق على الأشخاص، وليس على ما يمثلونه من مصالح اجتماعية.

عمليا فإن طريقة التعامل مع الانتخابات تعكس ثقافة واضحة، تنطلق عند المستقلين على وجه الخصوص من فكرة "الوجاهة"، التي تتبدل ربما في مظهرها أو اسنادها إلى تراث قديم لكنها في النهاية تظهر في عالم الأعمال بنفس الطريقة التي تبدو فيها ضمن العشائر والعائلات وغيرها.. فالتفكير بالانتخاب على ما يبدو من الحملات الماضية كان يحاول تقديم قوائم تحمل فكرة "الوجاهة" التي لا تتعب نفسها بإثبات شرعيتها من خلال البحث والمشروع ومخاطبة جمهور واضح المعالم، لأن فكرة "الوجاهة" وفق العرف والتقليد يمكن أن يخضع لها الجميع.

أي خروج يمكن ان يحدث في المسألة الانتخابية هو كسر هذا التقليد في "الوجاهة"، والبحث بالفعل عن جمهور واضح المعالم. وهذا "الخروج بالتفكير" ربما يفتح أمامنا آفاق جديدة للتعامل مع الانتخابات التشريعية، أو وضع محور يمكن أن يترك على الثقافة الاجتماعية شكلا جديدا أو حتى تيارا ثالثا في التعامل مع المجتمع. وحتى لا يفهم في مسألة التيار الثالث شكلا وسطيا (لامعارضة ولا سلطة) .. فإن الأمر يتجاوز هذا التعريف المبسط، لأن البدء في كسر التفكير النمطي في الانتخابات يعبر عن تيار ثالث، سواء كان المرشح ضمن قوائم الجبهة أو خارجها أو حتى ناشط معين قرر بالفعل أن يمارس حالة بناءة في هذا الموضوع.

الانتخابات ليست مرحلة اليوم، فهي تحمل مفردات كثيرة ربما نمر عليها بشكل سريع، وإذا كان المواطنين يتعاملون مع هذا الأمر بمنطق "التصويت" فإن المرشحين في النهاية مسؤولون بالدرجة الأولى عن عدم إهمال كل مفردات الانتخابات، ووضعها بشكل واضح أمام المجتمع ..