الاتحاد / ويليام فاف

يتصدر العراق وإيران قائمة اهتمامات إدارة بوش حالياً، في حين تأتي أوروبا في مرتبة متأخرة نسبياً على تلك القائمة، أما فرنسا فهي تتأخر حتى عن المرتبة المتأخرة لأوروبا. لذلك فإنه لا أحد في أوروبا يريد تقديم المساعدة لجورج بوش كي يتمكن من تعويم حرب العراق حتى عام 2009، وهو العام الذي ستتولى فيه إدارة أميركية جديدة سدة الحكم في واشنطن، وتصبح مسؤولة عن الكيفية التي سينتهي بها كل ما يتعلق بتلك الحرب.
في الوقت الراهن، تقدم الدول الأوروبية الأعضاء في "الناتو" الدعم لسياسة أميركية تتسم بعدم الحكمة في أفغانستان، على رغم أن أفغانستان لم تدعِ حتى الآن، أنها تحتل مكانة رئيسية في قائمة اهتمامات واشنطن. ويُشار إلى أن فرنسا كانت هي أول دولة ترسل قوات خاصة للمساعدة على تحقيق الاستقرار في أفغانستان في نوفمبر 2001، وأنها الآن أول من يسحب تلك القوات، وذلك عندما شعرت بأن المهمة هناك قد بدأت تتحول إلى شيء شبيه بمهمة مواجهة التمرد العراقي.
لقد كانت فرنسا دائماً حليفاً رئيسياً لأميركا في القارة الأوروبية، سواء أحبت واشنطن ذلك أم لم تحبه (وعادة ما كانت لا تحبه). فعلى رغم القوة الاقتصادية لألمانيا، فإن فرنسا كانت هي دائماً القوة السياسية الرئيسية في القارة (ويختلف هذا عن كونها القائدة السياسية لأوروبا، لأنها ليست كذلك في الحقيقة). إلى ذلك، تعتبر فرنسا ثاني أكبر قوة اقتصادية في القارة وأكبر قوة عسكرية فيها -ويمكن القول إنها الفاعل العسكري الوحيد المستقل عملياتياً في أوروبا.
في تحليل جديد يدعو للإعجاب نُشر في دورية "سيرفيفال" الصادرة عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن، ناقش كل من "فريدريك بوزو"، و"غيوم بارمنتيه" المعاني الضمنية للانتخابات الرئاسية، التي ستتم في فرنسا هذا العام، وفي الولايات المتحدة العام القادم، وحذرا من المبالغة في تقدير قيمة التقارب المتوقع حدوثه بين الدولتين تحت حكم الرئيسين الجديدين.
فهناك حدود لما يمكن لهذا التقارب أن يصل إليه، أما الافتراض السائد في كل من الولايات المتحدة وفرنسا بأن العداوة التي اشتعلت نارها بين الدولتين عام 2003 -والتي وصلت إلى درجة مطالبة بعض الأميركيين بالتخلي عن استخدام البطاطس المقلية الفرنسية "فرينش فرايز" واستبدالها ببطاطس الحرية "فريدوم فرايز" وكل تلك الأمور- قد انتهت بعد أن أثبتت الأحداث التراجيدية في العراق أن وجهة نظر فرنسا كانت صحيحة، وأن الحكومة الجديدة التي ستتولى الحكم في واشنطن بداية 2009 يتوقع لها أن تكون حكومة صديقة للتحالف (على وزن صديقة للبيئة) وذات نزعة تعددية، فهو افتراض أقل ما يقال عنه إنه مفرط في تبسيطيته.
والمرشحون الثلاثة الأساسيون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية يأخذون مسألة المصالحة بين الدولتين عقب انتهاء حرب العراق على أنها أمر مسلم به. فالمرشح المحافظ "نيكولا ساركوزي" على سبيل المثال كان قد أدلى بتصريح أثناء وجوده في واشنطن خريف العام الماضي، قال فيه إنه كان يشعر بالخجل بسبب الموقف العدائي المتسم بالغطرسة الذي اتخذته فرنسا تجاه الغزو الأميركي للعراق. غير أنه سرعان ما تراجع عن موقفه هذا تحت ضغط حزبه، وعاد مجدداً إلى التأكيد على النهج "الديجولي" القائم على استقلالية السياسة الخارجية الفرنسية. غير أنه من المؤكد أنه لن ينحو إذا ما أصبح رئيساً لفرنسا إلى تقليد نهج "دومينيك دو فيلبان".
أما منافسته الاشتراكية "سيجولين رويال"، فهي وإن كانت ترى أن فرنسا يجب أن ترسم سياستها الخارجية بشكل مستقل، إلا أنها تشاطر بعض الدوائر الاشتراكية موقفها المتحيز ضد أميركا. وفيما يتعلق بالمرشح الثالث الديمقراطي المسيحي المنتمي لتيار الوسط وهو "فرانسوا بايرو" فقد تبين أن له صلة عائلية أميركية حيث تزوجت عمة زوجته من أحد العسكريين الأميركيين وتعيش معه حالياً في "دي موان" بولاية "أيوا".
غير أنني لا أقصد من وراء ذلك التلميح إلى أن العواطف العائلية يمكن أن تلعب دوراً في صياغة السياسة الخارجية، لأن التوترات المتكررة بين فرنسا والولايات المتحدة لها أسباب موضوعية في الحقيقة. وفضلاً عن ذلك، فإننا نجد أن فرنسا باعتبارها الدولة التي تزعمت الدعوة للوحدة الأوروبية، قد حافظت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على سياسة تقوم على دعم واشنطن والاحتفاظ بعلاقات وثيقة معها، وإن كان قيامها بنسف اتفاقية الدفاع الأوروبي المشترك عام 1954 وغزوها للسويس 1956 قد تسببا في إغضاب واشنطن.
وعندما جاء "شارل ديجول" إلى الحكم، أخرج فرنسا من "الناتو"، وذلك عندما رفضت واشنطن الموافقة على إنشاء مديرية للدفاع، وعمد عقب ذلك إلى اتباع سياسة مزدوجة، تقوم على التحالف معها في الأمور التي تتعلق بالمصالح الغربية الرئيسية، ومعارضتها فيما اعتبره مبادرات من جانبها تسعى إلى الهيمنة. وبعد "ديجول"، فإن كلاً من "جيسكار ديستان" و"جاك شيراك" بدء فترة حكمه بـ"تطبيع للعلاقات" مع الولايات المتحدة، ثم قام بعد ذلك بالسير في طريق مختلف بسبب تعارض المصالح بين الدولتين في العديد من المسائل. من جانبها اتبعت واشنطن منذ 2003 سياسة تسعى إلى تقسيم الاتحاد الأوروبي لا تزال مستمرة حتى اليوم، كما يتوقع لها أن تستمر عندما يجد الرئيسان الجديدان في أميركا وفرنسا نفسيهما مضطرين إلى الخضوع لحقيقة أن هناك اختلافاً بين المصالح الأميركية ومصالح الاتحاد الأوروبي.
كذلك ليست لدى أووربا أو فرنسا أي مشكلة أمنية يمكن لأميركا حلها علاوة على أنه لا فرنسا ولا معظم الجزء الأكبر من أوروبا القديمة يعتقدان أن الحملات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا لها أي علاقة بمشكلة الإرهاب، غير أنهما يخشيان من وقوع هجوم أميركي- إسرائيلي على إيران ربما يكون قد وقع بالفعل أو لا يزال مجرد احتمال عندما تتولى الإدارة الأميركية الجديدة الحكم عام 2009. وفيما يتعلق بلبنان وسوريا والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإن الدولتين لهما تقديرات وأهداف مختلفة.
ومن المتوقع للولايات المتحدة -حتى إذا ما تولى الحكم رئيس جديد من الحزب "الديمقراطي"- أن تحاول المحافظة على مفاهيمها السياسية والأمنية المعولمة، وعلى إيمانها بأنها في "حالة حرب" مع الإرهابيين والراديكاليين والدول الفاشلة والفوضى الدولية، وأنها يجب أن تمارس سياسة خارجية ذات نزعة نشطة وتدخلية ومُعسكرة موجهة نحو تحقيق هدف"طوباوي"، هو توحيد العالم تحت قيادة ديمقراطية.
أما الفرنسيون فهم شأنهم في ذلك شأن الكثير من الدول الأوروبية، لا يجدون أن العالم على هذه الدرجة من التهديد، كما أنهم غير منقسمين على أنفسهم بين الخير والشر ولا يعتقدون أنهم سيصبحون موحدين.
وهناك موضوعات دقيقة أخرى تتعلق بالسيادة تدفع الفرنسيين شأنهم شأن غيرهم من الأوروبيين إلى الشعور بالحساسية تجاه بعض السياسات الأميركية التي تتعامل مع الحلفاء على أنهم تابعون، أو من درجة أدنى، كما تدل على ذلك حوادث الخطف التي قامت بها "السي.آي.إيه" في أوروبا. وكما تثبت وقائع "ترحيل المساجين" إلى بلادهم، وكذلك السجون السرية الموضوعة خارج نطاق الولاية القضائية في القارة. فالفرنسيون والأوروبيون يجدون أن ذلك كله يذكر بشكل مزعج وغير مريح بالأحداث البغيضة الماضية في أوروبا، وهم لذلك يتمنون إلى أقصى درجة أن يروا ذلك كله، وقد انتهى عندما تأتي حكومة جديدة إلى واشنطن. في هذا الخصوص، قد يرى الفرنسيون بعض التغيرات التي قد ترضى خاطرهم، بيد أن الأمر الأقل ترجيحاً هو أن يروا تغيراً شاملاً في السياسة الأميركية.