أرجئ الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية برئاسة رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنية إلى مابعد لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت المقرر عقده في القطاع الغربي من القدس المحتلة اليوم الأحد 11 آذار 2007، هذا إذا سمحت التطورات الداخلية في إسرائيل له بمزاولة مهامه رئيساً للحكومة، وإذا بدا أن تشكيل الحكومة المرتقبة رهناً، مما سبق، بموافقة إسرائيلية، أو على الأقل مرتبط بإزالة تحفظاتها، فإن السيد هنية أرجع التأجيل لـ(أسباب وطنية تتعلق بحركتنا السياسية). وهذا يعني، رغم ما في القول من إبهام شديد الوضوح، أن الإرجاء قد تم لخلاف بين السيدين عباس وهنية على مرشح الأخير لتولي حقيبة الداخلية (حموده الجردان) الذي تقول حماس إنه من حركة (فتح)، فيما تردد أن (فتح) رفضته لتسريبه وثائق ومستندات تتعلق بالقضاء العسكري، وفي محاولة للتغلب على هذه القضية لجأت (فتح) إلى القاعدة الفقهية التي تقول (كلما ضاق الأمر اتسع) والعكس صحيح (كلما اتسع الأمر ضاق) فعمدت إلى ترشيح 12 شخصاً بينهم قضاء وصحفيون وعسكريون أبرزهم وزير الداخلية الأول في عهد الراحل ياسر عرفات اللواء عبد الرزاق اليحيى، الذي كان له دوره في مشكلات عاشتها فتح في إطار ما عرف بأزمة (التحديث) الذي أدى إلى (بيان العشرين). وتوقعت مصادر (فتح) أن ترفض (حماس) المرشحين الاثني عشر لحمل حقيبة الداخلية، ما يعني أن أزمة الداخلية ستظل تراوح مكانها، وربما تعطل أو تؤجل، على الأقل، تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يعلق عليها فلسطينيون آمالاً كبيرة. غير أن حقيبة هيغل التي تبرز مع المغيب دعت مفكراً عربياً مثل د. عزمي بشارة إلى التوقع بأن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ستشكل قبل عقد القمة العربية في الرياض يومي 28 و29 آذار الجاري، مرجعاً الأمر إلى أن (المسألة تهم المسؤولين عن (اتفاق مكة- 8 شباط الماضي) وهم الإخوة في السعودية، كما أن قسماً كبيراً من الاتفاق قد تم في القاهرة وفي دمشق بشكل أساسي، وأن لدى السعودية، التي ستستضيف القمة العربية، مسؤولية إنجاح اتفاق مكة) (الحياة 7/3/2007).

وكان عباس وهنية قد بحثا في اجتماع ثان بينهما خلال 48 ساعة الأسبوع الماضي إلى جانب قضية حكومة الوحدة وأزمة وزارة الداخلية مسألة الهدنة الشاملة مع إسرائيل، وسبل تفعيل م.ت.ف، وإعادة صوغ مجلس الأمن القومي الفلسطيني، والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وهي القضايا التي رحّلها اتفاق مكة إلى اجتماعات تعقد في غزة. ووفقاً لمصادر فتح فإن الاتحاد الأوروبي، وهو عضو في الرباعية الدولية سيجد من السهل عليه التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية إذا ما تمّ حل 3 مشكلات مرتبطة بالوضع الفلسطيني وتعقيداته، وهي: قضية الجندي الإسرائيلي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية منذ عملية (الوهم المتبدد) 25 حزيران الماضي، وإعلان هدنة شاملة تشمل الضفة والقطاع وداخل الخط الأخضر، واستئناف الاجتماعات الرباعية الفلسطينية- الإسرائيلية- المصرية الأمريكية، وهي اجتماعات ذات طابع أمني. وهنا يفرض السؤال نفسه هل إسرائيل مستعدة لإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين والبالغ عددهم 11 ألف أسير بينهم كثير من النساء؟ ومن يضمن ألا تقول إسرائيل إنها ليست معنية بالهدنة أو التهدئة التي يعلنها الفلسطينيون باعتبارها ليست طرفاً في اتفاق كهذا، لتبرر ما تطلق عليه (المطاردة الساخنة) Hot Pursuit أو (القتل المستهدف)؟

إن تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية دونه عقبات داخلية وخارجية: أما الخارجية التي لامسها موقف الاتحاد الأوروبي، فإن أبرز مفاصله شروطه الثلاثة وأبرزها المتمثلة بـ: نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل. وإذا كان السيد خالد مشعل قد أعلن من طهران أن (موقف حماس لم يتغير قبل اتفاق مكة وبعده)، في إشارة منه إلى رفض الاعتراف بإسرائيل، فإن الضغوط التي تمارس على حماس للاعتراف بإسرائيل تفتقر إلى أي مبرر، قانونياً كان أم أخلاقياً أم سياسياً.

وغياب المبرر القانوني، عائد إلى أن الاعتراف لا يكون إلا بين وحدات متماثلة، أو كما يقول فقهاء القانون الدولي: إن الاعتراف منشئ للدول. كما أن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة، قبل قيام دولة فلسطينية واضحة المعالم يلحق ضرراً بالغاً بالحقوق الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني، ناهيك عن أن الاعتراف ينبغي أن يكون متبادلاً. وإذا كان هناك من يحتج بالاعتراف المتبادل بين رابين وعرفات يومي 9 و10 أيلول 1993 فإن الاعتراف الإسرائيلي كان يقول (تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للفلسطينيين) ولم يكن الاعتراف بهم كدولة، في حين نص رسالة عرفات إلى رابين يعلن (الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود). ولم يكن هذا الاعتراف اعترافاً كاملاً الذي يعني من بين مضامينه الاعتراف بمكونات الدولة وهي ثلاث: الإقليم والشعب والحكومة. وإسرائيل التي لم تحدد لها حدوداً، كونها لا تمتلك دستوراً، فهي كيان في حالة توسع مستمر، تطالب الاعتراف بها (دولة يهودية) لا يحق للأغيار (العرب) المقيمين فيها التمتع بجنسيتها. وإلى هذا أشار البروفيسور سامي سموحه أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا بقوله: (إن إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود، ولكنها يهودية مع الآخرين) ويقصد سموحه هنا القول، وفي سياق دراسة مطولة حول الديمقراطية في إسرائيل، أن الكيان الإسرائيلي (عنصري) في تعامله مع الفلسطينيين، وعليه فإن اعتراف (حماس) بإسرائيل، سيكون اعترافاً أحادياً ومن جانب واحد، وهو ما لم يتحدث عنه القانون، فالاعتراف إما أن يكون كاملاً متبادلاً أو لا يكون.

وإذا كانت العقبات الخارجية التي تعوق تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تتسع لتشمل المواقف الإسرائيلية والأمريكية من حكومة بقيادة حماس، فإن العقبات الداخلية، وإن تمثلت بمواقف الفصائل المرشحة للانضمام للحكومة، باعتبارها الوعاء التنفيذي للجسم الفلسطيني، لكن العقبة الأكبر التي برزت على السطح: الأزمة التي تفجرت داخل حركة فتح إثر قرار السيد محمود عباس تعيين قيادة محلية لحركة فتح في الضفة والقطاع، وفيما رأى فريق من فتح أن القرار تكريس لما سمي (تغييب الديمقراطية والانتخابات الداخلية) رأى فريق آخر في القرار (مؤامرة) على الأسير مروان البرغوثي، ومنهم من يقول بلغة اتهامية إن عباس بقراره هذا خضع لتأثير الرجل القوي في الحركة السيد (محمد دحلان)، بعد تعيين مسؤول التعبئة والتنظيم في الحركة هاني الحسن كبير مستشاري الرئيس الفلسطيني.