في زيارة نائب الرئيس السوري قاروق الشرع إلى القاهرة مؤشرات حول احتمالات مسار القمة العربية التي تستضيفها الرياض في إعادة رسم العلاقات العربية، بعد أن تصاعدت الأزمات مشكلة "محاور" سياسية تؤثر بشكل واضح على طبيعة "الأزمات" ومساراتها المستقبلية.

فمباحثات الشرع في القاهرة تتجاوز الطرح الإعلامي حول مسالة المصالحة، لأن ما حدث في المنطقة عموما لم يكن خلافا بين الدول العربية حول قضاياها التقليدية، وخلال العامين الماضيين ظهرت مسائل مستحدثة نتيجة احتلال العراق. وما يتم تداوله اليوم حول "تصفية" الأجواء العربية يحمل بداخله التوجهات التي تحملها الدول تجاه العوامل الجديدة في المنطقة، مثل الدور الإيراني او مستقبل العراق أو حتى الاستراتيجية الأمريكية في العراق، وهي مواضيع لا يمكن ان تتم المصالحة فيها وفق السياق السياسي الحالي، وهي في نفس الوقت تتطلب النظر إلى ترابط الأزمات بشكل جديد، وربما العودة إلى قراءة الأدوار الإقليمية قبل البدء بأي مصالحة.

ولقاء الشرع مع مبارك الذي رأت المصادر المصرية أنه ربما يؤثر على كافة المعطيات "التصالحية" سواء في لبنان او على الساحة الفلسطينية او حتى العراق، بترافق أيضا مع جهود أوروبية ، وأمريكية، مرتبطة بسياسة دمشق، وهذا الترابط يمكن قراءته أيضا على انه عودة عن مفهوم الضغط السياسي المباشر نحو آلية تأخذ بعين الاعتبار حصر الخيارات تجاه سورية، فالحركة الدبلوماسية التي تشهدها سورية قبيل القمة تحمل:

  تحديد نوع التعاون سواء على المستوى الأوروبي او العربي، فهذا التحرك السياسي يعتبر أن الأدوار الإقليمية يتم رسمها من جديد على ضوء التطورات التي حدثت بعد حرب تموز، وهو ينطلق من ان المساحة السياسية باتت ضيقة، وان الخيارات مع التواجد الأمريكي لا تسمح بالتعامل مع كافة الشروط الإقليمية بما فيها السورية، وهذا ما يفسر التصريحات الأوروبية على سبيل المثال بانها تنتطر "رسائل" إيجابية من دمشق.

  أما بالنسبة للأطراف العربية فإنها ترى أن جهود المصالحة على الساحتين اللبنانية والفلسطينية تتطلب أيضا "رسائل إيجابية" من سورية، ولكنها في نفس الوقت تريد إعادة توزيع المسؤوليات بهذا الخصوص، ويبدو أن المطلوب من دمشق المساعدة على تهدئة الأوضاع أكثر من الانخراط بالحل.

هذه الصورة قبيل القمة توضح أن الأزمات التي ستواجهها القمة لا ترتبط فقط بالرغبات العربية، أو حتى في الجهود التي تبذلها العواصم الأساسية، لأن الأزمات متعلقة أيضا بالتدخل الأوروبي والأمريكي سواء في الملف اللبناني او الفلسطيني، بينما الملف العراقي يتم التعامل معه مباشرة مع الولايات المتحدة. فالجهود السعودية حتى اللحظة لم تستطع ان تضع مسار المصالحة على حدود واضحة، رغم أن الأطراف أبدت التزاما واضحا بما تم الاتفاق عليه، وفي المقابل فإن مستقبل الاتفاقات يستند أيضا لسياسات الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية وحتى إسرائيل. وهذه المعادلة الصعبة ظهرت كنتيجة مباشرة لإعادة صياغة الأدوار الإقليمية، فعلى عكس أي اتفاقات سابقة، مثل الطائف على سبيل المثال، فإن التوافق العربي يبدو لاحقا في أي أزمة، وهو ينتظر اختبار الترتيبات الدولية بالدرجة الأولى. وهذا الأمر يظهر واضحا في مقارنة ما يحدث اليوم بالترتيبات التي سبقت قمة بيروت وظهور المبادرة العربية، فبعد التوافق على الخطة العربية قامت الرياض بحركة دبلوماسية نشطة من اجل ترويجها، بينما اليوم يتم تدارس الملفات دوليا لتوليف "المصالحة وفقها.

وإذا كانت زيارة الشرع الى القاهرة تحمل معها مباحثات مرتبطة بالأزمة اللبنانية بالدرجة الأولى، لكن كافة ا؟لأطراف العربية تعرف أيضا أن اكثر من ملف مرتبط بالموقف السوري، وعلى الأخص ما يتعلق بإيران واستراتيجية التعامل معها. لكن هذا الملف الذي قامت الرياض باختراقه، لكنه ايضا يحمل أبعادا يمكن ان تدخل إلى كل الملفات من خلال تصادم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة مع المواقف ما بين طهران ودمشق. ووفق هذا السياق فإن التحرك العربي تجاه إيران يبدو خاضع أيضا لشرط إقليمي أكثر تعقيدا من اي مباحثات سريعة ما بين الرياض وطهران، فهذه الدبلوماسية ربما توحي على "حسن النوايا" لكنها لا تحل مجمل الأمور العالقة ما بين طهران وجملة الأزمات في المنطقة.

عمليا فإن بدء المباحثات السورية – المصرية تمثل كسرا للافتراق الذي ظهر إقليميا، وربما بتشجيع أمريكي، عبر محاور سياسية، لكنه أيضا يشكل مساحة للبحث في إمكانية القمة على الدخول إلى الملفات الصعبة التي بقيت مؤجلة منذ احتلال العراق وحتى اليوم.

مصادر
سورية الغد (دمشق)