لا زال مبكراً الحكم على دقة التقارير التي أشارت إلى أنّ من ألقي القبض عليهم، أول أمس، في لبنان، بتهمة الوقوف وراء تفجيرات حافلتين في بيروت، في 13 فبراير الماضي، يتبعون تنظيماً اسمه "فتح الإسلام"، سواء من حيث حقيقة انتمائهم لهذا التنظيم، أو لجهة حقيقة هذا التنظيم، وانتمائه وعلاقاته. واسم "فتح الإسلام" تم تداوله مؤخراً، في معرض خلافات داخل حركة "فتح- الانتفاضة"، التي انشقت عن تنظيم "فتح" الأم، عام 1983، وتتواجد قيادتها في دمشق، وتحديداً صلة هذه المجموعة مع الشخص الثاني، في "فتح- الانتفاضة"، موسى العملة (أبو خالد)، وقد حققت سلطات الأمن السوري مع العملة، بهذا الشأن، مدة ثلاثة أيّام، كما أوضح العملة ذاته في بيان صادر عنه، وقد تحدث عن علاقته مع المجموعة، أو ما أسماه "ظاهرة فتح الإسلام"، ولخّص موقفه من المجموعة بالقول "الساحة تتسع للجميع، ولم يسيئوا لأحد؟ لكن المؤكد أنها ليست من فتح". وقد نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" في مطلع مارس الماضي، لقاءً مع مؤسس ورئيس التنظيم، واسمه شاكر العبسي، ويستدل من اللقاء، أنّ العناصر الأساسية، من التنظيم كانت بالفعل في "فتح-الانتفاضة"، وقد يكون بعضها، كان أصلاً في "فتح" الأم، ويعزز اللقاء الاعتقاد بأنّ بعض هؤلاء كانوا يتبنون أصلاً فكراً يسارياً، فعلاوة على أن "فتح الانتفاضة"، أصلاً، كانت تكتلاً يسارياً، داخل "فتح" ذاتها، قبل انشقاقهم، فإنّ مما يدلل كذلك على أنّ عناصر هذا التنظيم كانوا "يساريين" أنّ العبسي، يتباهى في اللقاء المذكور، أنه قاتل يوماً في "نيكاراجوا". ومثل هذه التنظيمات المنشقة، في التجربة الفلسطينية، كثيراً ما تنشق بدورها على نفسها بسرعة كبيرة، فيكون هناك أكثر من مجموعة تحمل ذات الاسم.

وتذكّر حالة "فتح الإسلام"، وخطابها، بحالة أخرى في قطاع غزة، هي حالة "جيش الإسلام"، الذي هو أيضاً مجموعة منشقة، عن لجان المقاومة الشعبية، التي هي كذلك إطار جسمه الأساسي منشق عن "فتح"، وأعلن هذا "الجيش" مسؤوليته عن اغتيال شخصيات فلسطينية رسمية. وكلتا المجموعتين ("فتح الإسلام" و"جيش الإسلام") جاء أصلاً من تنظيم يفترض أنّه "غير أيديولوجي"، لتتبنيا خطاباً، يبدو للوهلة الأولى، هو خطاب تنظيم "القاعدة"، وقيادات كلتيهما، لا تدين إرهاب "القاعدة"، في لقاءاتها الصحيفة. ولكن التدقيق في خطابهما، يشير إلى أنّه لا يمكن أن تكونا على علاقة عقائدية وعضوية كاملة مع "القاعدة"، فعلى سبيل المثال، في مقابلة تلفزيونية مع "ممتاز دغمش"، الناطق باسم "جيش الإسلام"، استخدم عبارات مثل "الأخ الرئيس الراحل ياسر عرفات"، وهذا لا يمكن أن يكون خطاب "القاعدة"، كما رفض التنظيم قتل الأسير الإسرائيلي، جلعاد شليط، لأسباب شرعية، وهذا تباين واضح مع ممارسات "القاعدة". كما أنّ "القاعدة"، تسارع عادة للإعلان عن ارتباط أي مجموعات بها، كما حدث فيما يتعلق بالجماعات السلفية في المغرب العربي، وبعض عناصر الجماعة الإسلامية في مصر.

هذا كلّه لا يلغي احتمال ظهور جماعات تمارس الإرهاب، والتخريب، والاغتيال، بأسماء إسلامية، ولعل التجربة أوضحت أنّ أخطر عناصر الإرهاب، هي تلك التي تنتقل لتبني شعارات وخطاب إسلامي عنفي، دون عمق فكري وثقافي، وبحيث تنتقل من تنظيمات غير إسلامية، أو تنتقل من عالم اللهو والانحراف، لتنبي شعارات إسلامية. وهذه الجماعات لا مواقف محددة لها، وقد تغير اتجاهاتها، بحسب الظروف. وفي الحالة الفلسطينية، يبدو اليأس من نجاح المشروع الوطني، وتحديداً بين عناصر حركة "فتح"، والحركات اليسارية والعلمانية، بمثابة خطر حقيقي لظهور مجموعات مغامرة، كما أن بعض هذه المجموعات تعيش يأساً شخصياً بسبب أوضاع مادية ومعيشية سيئة للغاية. وكل هذا يمكن أن يكون مدخلاً لـ"القاعدة"، ولأجهزة مخابرات، وغير ذلك، لتوظيف مثل هذه المجموعات. إنّ خطر التحول من التنظيمات غير الإسلامية إلى تنظيمات إسلامية، تمارس أعمالاً غير مخططة، وغير مدروسة، وربما إرهابية ومأجورة، ربما يكون الأكثر احتمالية في الحالة الفلسطينية، وكل هذا يجب أن يضيف سبباً جديداً للإسراع في التوصل لحل للموضوع الفلسطيني.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)