يخشى بعض اللبنانيين والعرب، وربما بعض العالم، من ان تتطور البداية الخجولة للحوار بين الولايات المتحدة وسورية وايران بشأن العراق، الى «صفقة» بين هؤلاء الاطراف تشمل مناطق نزاع أخرى يتصدرها لبنان، فتكون على حسابه او على حساب النظام الاقليمي العربي كله، لمصلحة دمشق وطهران. لكن هذه المخاوف، حتى ان كانت مبررة بسبب سوابق واشنطن في التعاطي البراغماتي مع أولوياتها، لا تجد أساساً واقعياً صلباً في ظل موازين القوى الحالية بين الولايات المتحدة و «عدويها» في المنطقة، وخصوصاً سورية.

فما قد يبدو للوهلة الاولى عوامل قوة واوراق ضغط بيد النظامين الحليفين سرعان ما يتبين انه اشارات ضعف وتراجع. فالدولتان منهكتان اقتصادياً ومعزولتان سياسياً، على رغم «عنترياتهما» وبعض حلفائهما. وليست نافذة الحوار التي بادرت السعودية الى فتحها امام طهران، ثم لحق بها الاميركيون، سوى لدعوتها الى العودة الى حدود دورها الاقليمي الذي تخطته بسبب ارتباك الدور العربي، بل غيابه، بعدما استغلت حاجة واشنطن اليها في بداية حرب افغانستان، ثم استفادت من سلسلة الاخطاء الاميركية في العراق. وجاءت المبادرة السعودية بعدما وجهت حرب الصيف الماضي في لبنان تحذيرا الى العرب من انهم يفقدون قرار السلم والحرب في منطقتهم ليصبح قراراً ايرانياً، وانه لا بد من ضبط مبالغة طهران في القفز على الملفات العربية وجمعها في يدها اوراقاً للنفوذ. ومن الواضح ان ادراك ايران لمحدودية قدراتها جعلها تتلقف الفرصة بسرعة، لعل ذلك يحول دون تشديد العقوبات الاقتصادية عليها في مجلس الامن، لا سيما انها تواجه صعوبة في تمويل برنامجها النووي جعلت روسيا تتذمر من عدم ايفائها بدفع المستحقات عليها، اضافة الى ان الضغط الاميركي المتواصل عبر حشد القوات والتلويح بضربة عسكرية اذا لم تتراجع عن برنامج التخصيب، يضاعف إنفاقها على تطوير انظمتها العسكرية ويستنزف مواردها. ولهذا كله تبدو ايران مستعدة لتقديم تنازلات ستترك أثرها في المنطقة، رغم ان البعض قد يعتبرها موقتة ريثما تبتعد «غيمة بوش».

أما سورية فهي أضعف بكثير، كونها ربطت نفسها بتحالف وحيد خارج النظام العربي، واختارت ان تجعل من ايران سندها السياسي والاقتصادي الرئيسي، باستثناء بعض «الامدادات» المتواضعة من قطر، بعدما أُقفلت الرئة اللبنانية التي كان اقتصادها يتنفس عبرها. ولذا فالمعروض عليها أقل بكثير مما قد يعرض على ايران لقاء تعاونها. ويصح القول ان الثمن الذي «ستقبضه» دمشق انما «ستدفعه» في الواقع، لأنه سيعني قبولها بالعودة الى التضامن العربي ولعب دور ايجابي في لبنان والعراق وفلسطين، اي التخلي عن سياسة العرقلة في هذه الملفات، مقابل ضمانات بالمحافظة على نظامها واستعادة حجمها الطبيعي، بعدما تبين ان العرب ليسوا بحاجة الى دورها كوسيط مع ايران، وان هذه الاخيرة اخذت مكانها في انجاح المصالحة بين الفلسطينيين وربما لاحقاً بين اللبنانيين وبين العراقيين.

لقد بدأت سورية تخسر دورها في لبنان منذ تقاعست عن تنفيذ اتفاق الطائف والانسحاب التدريجي من أراضيه، ما أدى الى صدور القرار 1559 الذي دفعها الى ارتكاب خطأ فادح آخر تمثل في تعديل الدستور والتمديد لرئيس الجمهورية، اذ كرست نفسها طرفاً في نزاعات هذا البلد وليس «حكما» مثلما كان يفترض بها ان تفعل بموجب التفويض العربي والدولي الممنوح لها. وهي تواجه في مستقبل قريب احتمال ان تخسر وللأبد أي دور لها فيه اذا ما اسفرت المحكمة الدولية عن ادانة اي من مسؤوليها مهما صغر موقعه، وهذا ما يفسر محاولاتها المستميتة للحيلولة دون قيامها.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)